شعب كثيرة وبعضها يفضل على بعض وكلما زادت شعب الإيمان عند المؤمن وتحلى بأعظمها زاد إيمانه إطعام الطعام وإفشاء السلام خصلتان لهما أهمية كبرى يترتب عليهما صلاح المجتمع حسياً ومعنوياً

أنس فرج محمد فرج:
يتكون الإسلام من شعب كثيرة وخصال حميدة وقد جاء منها في الحديث شعبتان الأولى إطعام الطعام والثانية إقراء السلام وقد ورد في السنة النبوية المطهر أحاديث أخرى ببعض شعب أخرى مثل ما جاء في الحديث الذي يرويه الإمام مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان) .. وبهذا يتضح أن للإيمان شعباً كثيرة وبعضها يفضل على بعض وكلما زادت شعب الإيمان عند المؤمن وتحلى بأعظمها زاد إيمانه وكان أكثر قربا من ربه وإذا نقصت شعب الإيمان هذه عند العبد أو قلت أو كان صاحبها لا يتحلى بالكثير من الخصال الحميدة كان إيمانه أقل ومن ربه أبعد.
عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما:(أن رجلاً سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) أي الإسلام خير؟! قال: تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) ـ صحيح البخاري، وقال (صلى الله عليه وسلم) في حديث آخر يرويه الإمام البخاري (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)، فإجابة الرسول (صلى الله عليه وسلم) للسائلين والمستفسرين من أصحابه الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ كانت مطابقة لمقتضى أحوالهم وما يراه النبي (صلى الله عليه وسلم) أجدر وأنفع لهم فجواب النبي (صلى الله عليه وسلم) للأول بإطعام الطعام ربما يكون قد ظهر منه إمساكه عن إطعام الطعام مع القدرة على ذلك فدله النبي (صلى الله عليه وسلم) على أن هذا العمل أفضل خصال الإسلام وربما يكون سأل ليعرف خير الأعمال وأفضلها فأجابه بإطعام الطعام وإقراء السلام وقول النبي (صلى الله عليه وسلم):(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ربما يكون قد ظهر من أحد الجالسين قلة مراعاته ليده ولسانه فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) قولا يناسب حالة أحد الجالسين وقد يكون حال الجالسين يريدون معرفة المنهيات والأمور التي يجب عليهم تركها فأخبرهم بهذا الحديث.
إطعام الطعام وإفشاء السلام خصلتان لهما أهمية كبرى يترتب عليهما صلاح المجتمع حسياً ومعنوياً ذلك أن مكارم الأخلاق وشعب الإيمان منها ما هو مالي كالإنفاق وإطعام الطعام والزكاة والصدقات ومنها ما هو بدني كفعل الخير والصلاة ليلاً ومعاونة الضعيف وغير ذلك ومنها ما هو قولي كإقراء السلام وقول الحق والذكر وقد حث النبي (صلى الله عليه وسلم) أول ما قدم المدينة على إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة ليلاً والناس نيام وكان عاقبة ذلك تدخلوا الجنة بسلام فعن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة انجفل (مضى وأسرع) الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فجئت في الناس لأنظر إليه فلما استبنت وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب وكان أول شيء تكلم به أن قال:(أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام) ـ سنن الترمذي وابن ماجه، وإن ما ورد في الحديث الشريف من خصال لهي أفضل الخصال فإن السلام والطعام وقيام الليل يكونوا سبباً في دخول فاعل هذه الخصال الجنة وإن هذه الخصال تعمل على تأليف القلوب وتمثل أهم جوانب البذل والعطاء وعظيم الخلق.
وللسخاء أثره البالغ في جعل صاحبه قريباً من الله، ففي الحديث عن أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وسلم) قال:(السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله عز وجل من عالم بخيل) ـ سنن الترمذي.
ولقد سجل القرآن الكريم ثناء رب العالمين على أولئك الصحابة الكرام الذين آثروا إخوانهم بالخير وإطعام الطعام قال الله تعالى:(والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (الحشر ـ 9)، وقد جاء في صحيح ابن حبان سبب نزول الآية أن رجلا جاء لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئاً فقال:(ألا رجل يضيف هذا الليلة رحمه الله تعالى) فقال رجل من الأنصار، وفي رواية فقال أبو طلحة الأنصاري: أنا يا رسول الله فذهب به إلى أهله فقال لامرأته أكرمي ضيف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا تدخرين شيئاً قالت: والله ما عندي إلا قوت الصبية قال: فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة لضيف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ففعلت ثم غدا الضيف على النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: لقد عجب الله من فلان وفلانة وأنزل الله فيهما (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة).
.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.