مسقط ـ العمانية:
العلامة ابن بركة اسم معروف في مدونة الفقه في عمان نظرا للأداور العلمية والفكرية التي لعبها وتأسيسه وتأصيله للمنهج الفقهي الذي بنى عليه العلماء العمانيون الذين أتوا من بعده. يكنى بأبي محمد وهو عبدالله بن محمد بن بركة السليمي البهلوي وهو أحد علماء عمان في القرن الرابع للهجرة، تتلمذ على يد أبي مالك غسان بن محمد الصلاني وأبي يحيى مهنا بن يحيى وأبي مروان سليمان بن محمد وغيرهم. درس على يد ابن بركة أبو الحسن علي بن محمد البسيوي ومحمد بن أحمد بن خالد وأبو عبدالله بن محمد بن زاهر، له العديد من الآثار العلمية التي صارت عمدة لمن أتى من بعده، ومصنفاته لا تخلو من حالتين: إما أن تكون ذات طابع أصولي؛ كجامعه الشهير (جامع ابن بركة) وكتابه التعارف، وكتاب التقييد، وشرح جامع ابن جعفر. أو تكون ذات طابع جدلي ممتزج بفصول في فقه السياسة الشرعية؛ كما هو الحال في كتابه الموازنة ومجموع سيره وجواباته.
لعل كتاب الجامع هو من أشهر كتب ابن بركة وقد لقي حظه من النشر والعناية وكذلك كتاب التعارف، ولكن مازالت هناك بعض الآثار التي لم تنشر، ومن بين الأعمال التي لقيت العناية والنشر مؤخرًا كتابان يضمان أعمال العلامة ابن بركة.
الكتاب الأول بعنوان "منثورة أبي محمد بن بركة البهلوي" جمع وترتيب الباحثة العمانية شمسة بنت عبدالله بن هلال الحوسنية. الصادر عن مركز ذاكرة عمان 2016م. ضمن سلسلة تراثنا المفقود رقم 3 ويقع في 46 صفحة.
منثورة أبي محمد كما تسميها كتب الأثر التي نقلت نصوصًا منها، وتعد المنثورة من الكتب المفقودة، فلم يبق منها سوى بعض النصوص التي تتناقلها كتب الأثر كبيان الشرع والمصنف والتاج، وبالنظر إلى هذه النصوص يبدو أن المنثورة المذكورة عبارة عن أجوبة لابن بركة على مسائل وُجهت إليه في مختلف أبواب الشريعة، فقيدها أحد تلامذته، وقد تتضمن بعض التقييدات حوارات بين ابن بركة وسائليه. وتعتبر منثورة أبي محمد من الكتب المهمة فهي بجانب قيمتها العلمية تعطي تصورًا للحياة العلمية في القرن الرابع الهجري وتبرز نمطا من أنماط التأليف.
أما جامع هذه المنثورة فهو أحد الذين توجهوا بسؤالاتهم إلى ابن بركة، كما يتجلى ذلك في الحوار المباشر بينه وبين شيخه ابن بركة؛ من قوله:"وسألت أبا محمد" ولفظ "قلتُ" وقد حررها في حياة شيخه؛ كما يظهر ذلك من عبارات الدعاء لشيخه بالتأييد، ولا يبعد مع هذا أن يعرض التلميذ على شيخه ما حرره.
يقوم جهد الباحثة الحوسنية على تتبع نصوص المنثورة من مختلف كتب الأثر العمانية وبخاصة بيان الشرع للشيخ محمد بن إبراهيم الكندي وكتاب المصنف لأحمد بن عبدالله الكندي. فالكتاب هو أول جهد للملمة ما تبقى من المنثورة ولعل الأيام تجود بالنسخة المكتملة من المنثورة.
الكتاب الآخر هو كتاب المبتدأ الذي عني به الباحث سلطان بن مبارك الشيباني، صدر في هذا العام 2016م ضمن منشورات ذاكرة عمان في سلسلة "أشتات مؤلفات: من ذخائر التراث العماني". ويقع الكتاب في 32 صفحة من القطع الصغير.
يشير الشيباني إلى أنه وقع على نسخة نادرة من كتاب المبتدأ ضمن النسخة النادرة من كتاب (التقييد لابن بركة) التي خطها العلامة عبدالله بن عمر بن زياد الشقصي البهلوي بيده سنة 963هـ، فكتاب المبتدأ واضح النسبة إلى ابن بركة وهو في غاية الوضوح ظاهر البداية والنهاية. يقع الكتاب ضمن هذه المخطوطة التي تحوي موضوعات أخرى والكتاب في سبع صفحات فقط (من ص 99 إلى ص 105).
فهذه النسخة الفريدة من المخطوط تعود ملكيتها إلى مكتبة نور الدين السالمي (برقم 250)، وقد نقل هذه المخطوطة العلامة عبدالله بن عمر الشقصي عن أصل قديم منسوخ في يوم الأربعاء 1 رجب 625هـ، وصرح أنه اشترى هذا الأصل النادر بألفين وأربعمائة دينار من غير تجليد ثم فرغ من نسخه حفاظا عليه يوم 7 جمادى الأولى 963هـ.
أما موضوع كتاب المبتدا فيدور حول ما يلزم المكلف عن ابتداء تكليفه وبلوغه الحلم ومن هذا المعنى أخذ تسميته ويحمل الكتاب روح ابن بركة وأسلوبه ويتجلى ذلك في عباراته وطرق السؤال والمحاورة.