إبراهيم السيد العربي:
يقول الله تعالى موصياً الرجال بحسن معاشرة النساء:(وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) (النساء ـ 19)، فهذا الأمر الرباني نبلغه إلى كل مسلم ومسلمة, وإلى كل زوج وزوجة, وإلى كل أب وإلى كل أم نقول للجميع إن القرآن الكريم هو منهج حياة كل مسلم ومسلمة.
وعن ما يخص الحياة بين الزوجين نقول: إن الحياة الزوجية إذا أردنا لها النجاح في غالب أيامها فعلي الجميع أن يلتزم بتعاليم الإسلام الحنيف في هذا الأمر، ومن آيات الله تعالى العظيمة: أن خلق الذكر والأنثى وجعل بين الزوجين مودة ورحمة، لكن الحياة الزوجية عرضة للمشكلات والحثَّ على التَّعَقّل واللجوء إلى الشرع في حلّها, هو المطلوب من كلا الزوجين.
وإذا كان الله سبحانه وتعالى جعل القوامة للرجل فيجب أن يفهم الرجل أن هذه القوامة ليست للتسلط والاستبداد, بل هي قوامة رحمة, وشفقة وتشاور فيما يصلحهم قال تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الروم ـ 21) أي: إن من آيات الله الدالة على عظمته وحكمته خلقه للإنسان من تراب، وجعل له من نفسه من يسكن إليها فينتج عن هذا السكن المودة والرحمة، فسبحان من أخرج الحي من الميت، وسبحان من جعل قوام الحياة هذه العلاقة المتينة بين الرجل والمرأة، فكلاهما يألف الآخر ويسكن إليه، ويجد في كنفه الاستقرار والأنس والاطمئنان، وجعل بينهما مودة وهي المحبة, ورحمة وهي الرأفة.
فالعلاقة بين الزوجين لا يمكنها أن تستمر إذا لم تكن بينهما مودة ورحمة غير أن الحياة الزوجية قد تعترضها خلافات ونزاعات تتسبب في نتائج لا تُحمد عقباها، وقد تكون أسباب تلك الخلافات واهية، غير أن العناد والمكابرة وقلًة التفقه في الدين، كل ذلك يدفع بالزوجين إلى تضخيم المشاكل الصغيرة.
إن الخلاف والاختلاف من طبائع البشر, التي فطر الله الناس عليها، والحياة بين الزوجين لا يمكن أن تكون بغير مشاكل، لكن يستطيع الإنسان أن يعالج كل المشاكل بهدي من كتاب الله, وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم).
إن الزوج قد يكره من زوجته أشياء كتقصيرها في خدمة بيتها، أو مخالفته في أمر طلبه منها، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون سبباً في الفراق، فالعلاقة الزوجية أوثق من أن تعصف بها مشكلة عابرة، فكم من امرأة كرهها زوجها وأحسنت هي معاشرته له، فكانت أعظم أسباب هنائه وسعادته، وليتذكر الرجل أيضا أنه لا يخلو من عيب, بل عيوب ومع هذا تصبر امرأته عليه فالكمال لله تعالى وحده.
ولما كان كل من الرجل والمرأة, لا يخلو من عيب كان عليهما أن ينظرا إلى المحاسن, في الوقت الذي ينظران فيه إلى المساوئ، وإلى ذلك يشير قول النبي (صلى الله عليه وسلم):(لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقا رضي منها خُلقا آخر)، والفرك هو البُغض بين الزوجين، والنبي (صلى الله عليه وسلم), يرشدنا إلى أنه لابد أن يكون في الإنسان عيب أو نقص، فإذا وجد الزوج في زوجته, أمرا يكرهه, فعليه أن يتذكر ما فيها من المحاسن، والذي يعمى عن المحاسن, ولا يلاحظ إلا المساوئ، لابد أن يقلق ويظلم ويعرّض الحياة الزوجية للخطر.
إن كثيراً من الخلافات التي تقع بين الزوجين, سببها عدم التزامهما بالتشاور فيما بينهما، وقد مدح الله تعالى المؤمنين لالتزامهم بالشورى في جميع أمورهم، قال تعالى:(والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون).
وفي هذا الأمر إرشاد من الله تعالى إلى ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بين المسلمين عامة وبين الزوجية خاصة من تشاور وتفاهم يحقق السكينة والسعادة، والمودة والرحمة.
ولا شك أن أسباب الخلاف بين الزوجين كثيرة ومتشعبة ومتغيرة، ولا بد ان نعلم أن الخلاف إن طال واستمر، عكّر صفو الحياة الزوجية عامة، كما أن الزوجين في بعض الحالات لا يستطيعان, تحديد سبب الخلاف, فإذا همّ الرجل بمطالبة زوجته بأمر فليتذكّر أنه يجب عليه مثله، وقد أحال ربنا سبحانه وتعالى معرفة ما لهن وما عليهن إلى عرف الناس المستمد من الشريعة الإسلامية والآداب والعادات.
فعلى الجميع أن يلتزم بما امر الله تعالى وبقدر المستطاع عليه أن يجاهد النفس ويبتعد عن وساوس الشيطان ويرجع لسيرة خير الأنام سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وسيرة الصحابة الكرام من بعده وعندها تحل أي مشكلة مهما كان حجمها بإذن الله تعالى وفي الختام نتذكر قول الله تعالى:(ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً) .. اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.

* إمام وخطيب جامع الشريشة / سوق مطرح