[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/11/yousef.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]يوسف الحبسي[/author]

«شر لابد منه» هكذا يطلق على عاملات المنزل، وظاهرة هروبهن مسألة قديمة متجددة تتسع عاماً بعد آخر، ويبلغ إجمالي عاملات المنازل في السلطنة حتى مايو من عام 2016 حسب بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات 144,700 عاملة تقريباً، بينما هناك في المقابلة 992ر193 عاملة هاربة حتى نهاية سبتمبر المنصرم بحسب وزارة القوى العاملة، ولآلاف الأسر حكاية أو حكايات في طرق هروب عاملة المنزل، وإحدى القصص التي سمعتها مؤخراً إن عاملة المنزل هربت بعد ذهاب رب الأسرة وقرينته إلى العمل وتركت الأطفال في الشقة التي تسكنها الأسرة، إلا أن عناية الله بهؤلاء الأطفال وسماع الجيران لصياحهم أنقذت الأطفال من خطر محدق بهذا الأسرة.
قبل نحو عامين إلتقيت بمعالي وزير القوى العاملة في حفل وضع حجر الأساس لمقر الاتحاد العام لعمال سلطنة عمان بتاريخ 18 نوفمبر 2014 وأكد معاليه حينها: «أن هناك مراجعة للوائح المتخصصة وتشكيل فريق عمل من عدة جهات بما فيها وزارة القوى العاملة لدراسة استقدام الأيدي العاملة المنزلية ومراجعة ما تم تقديمه من إجراءات وتحسينات في الآلية المتبعة بحيث تضمن أكثر استقراراً للقوى العاملة التي تأتي عبر مكاتب الاستقدام في القريب العاجل».
اليوم بعد مروري نحو عامين هل يكفي الضمان 6 أشهر منذ اليوم الأول لاستقدام العاملة، في ظل التكلفة المالية التي تبلغ 1500 ريال عماني ويتحملها الكفيل من أجل استقدام هذه العاملة أو تلك، ومنهن من يهربن قبل مضي الـ 6 أشهر وأخريات يهربن قبل انقضاء مدة الضمان، وفيما هن يسرحن في بلادي، يقوم الكفيل بدفع ثمن تذكرتها، بمجرد ما يتم إلقاء القبض عليها تقوم الجهات المعنية بتسفيرها.
ربما تعاطفت مع كوماري في رواية «أنا كوماري من سريلانكا» للمؤلف حازم صاغية، والتي تتناول معاناة امرأة سريلانكيّة اضطرّها العوز إلى مغادرة بلدها .. قضت كوماري عشرين عاماً كعاملة منزل متنقلة بين بعض الدول العربية، إلا أن الحديث عن عاملات المنازل في السلطنة يختلف كثيراً، حيث تمنح العاملة حقوقاً تفوق تلك التي يحصل عليها الكفيل، فمن الراتب إلى الإجازة، مرور بتوفير المكان الملائم لها، وشراء مستلزماتها ومنها الهاتف، مروراً بدفع تذكرتها ذهاباً وإياباً، كلها يدفعها الكفيل، بالإضافة إلى ما ذكر آنفاً تتدخل سفارات هذه العاملات في تحديد الأجور وغيرها، وفي المقابل لن نحصل على عاملة منزل تبقى لمدة عامين، بل نضطر إلى التصادم مع مكاتب استقدام عاملات المنازل وتحميلهم مسؤولية هروب العاملة بسبب الكلام المنمق في سيرتها الذاتية قبل أن تصل إلى بيت الكفيل.
ربما اليوم الغالبية العظمى من الأسر في السلطنة مرت بتجربة مريرة على أقل تقدير بهروب عاملة منزل في وضح النهار أو عتيم الليل، وما تنشره الصحافة المحلية يومياً من إعلانات هروب لا تخلو من وجود صورة لعاملة منزل هاربة، مما يدل على إتساع هذه الظاهرة وخطورتها في ظل وجودهن بيننا ورغبة أولئك العاملات في تقاضي رواتب أعلى عبر العمل في أكثر من منزل، وتستمر هذه الظاهرة في إرباك حياة آلاف الأسر واستنزاف أموالهم خصوصاً وأن حق الكفيل يضيع عادة بين مكاتب الاستقدام ووزارة القوى العاملة والعاملات الهاربات وسفارات بلدانهم، ويستمر أيضاً الخطر المحدق الناتج عن هروب العاملات، وعملهن في مهن تهدد الأمن الاجتماعي، أو تمثل خروجاً على الأنظمة والقوانين، والعقوبات المفروضة على العمالة الهاربة غير كافية، فالإبعاد عن الدولة غير مجد في وقف هروبهن من الكفلاء، وطالما لم .
وفي ظل إتساع هذه الظاهرة بوجود أعداد متزايدة من عاملات المنازل الهاربات في مجتمعنا، لا نهضم الجهود المضنية للجهات المعنية في القبض على العديد منهن، إلا أن الهروب ما زال مستمراً، والأموال من أجل استقدامهن تستنزف جيوب الكفلاء، ولا تزال الحلقة المفقودة لوقف هذه الظاهرة غائبة .. مع وجود بعض التجارب التي قامت بها بعض الدول ومنها التأمين للعاملين في المنازل والذي يشمل التأمين الصحي، والتأمين عند ترك العمل إلى مكان غير معروف، ورفض العمل والترحيل، ومصاريف الترحيل، والتأمين على الحياة والحوادث، والذي يحفظ الحق للكفلاء الذين يتحملون خسائر استقدام العاملة ومسؤولية التسفير إذا ما تكرمت وسلمت نفسها للجهات المعنية أو تم القبض عليها.
عاملات المنازل اليوم تستقدم من الفلبين وتنزانيا وسريلانكا والهند وبنجلاديش وغانا مع وقف الاستقدام من اندونيسيا وأثيوبيا، والعاملات تأتين من مناطق ريفية في تلك البلدان ويفتقدن إلى معرفة البلد الذي ستعمل فيها والقوانين والتشريعات والمبادئ، ومن المهم أن يتم إخضاع العاملات قبل وصولهن إلى السلطنة لدورات تعرفهن بالقوانين والتشريعات ومنها عقوبة السرقة والهروب، كما أن وجود شركات متخصصة تقوم بتقديم دورات للعاملات عن القوانين والتشريعات والعادات والتقاليد في السلطنة، وتعرفهن بخطورة الهروب من العمل، وعقوبة السرقة، وبالإضافة إلى الحقوق والواجبات التي تتمتع بها العاملة في البلاد، وأهمية الالتزام بالعقد المبرم مع صاحب العمل، وعسى أن يجد المجتمع جديداً في تنظيم علاقة العمل بين الكفيل وعاملة المنزل، بوجود تشريعات تحفظ لكل ذي حق حقه.

يوسف الحبسي