[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/06/a.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عبدالعزيز الروشدي[/author]
يقول علماء الاقتصاد: «إنّ بناء نموذج اقتصادي هو عمل معقّد جداً، وإنّ اختياره يستغرق وقتاً طويلاً، وحتى لو كان مُجدياً في بلدٍ ما في فترة محددة فإننا قد نلاحظ أنّه لا يعمل في بلدٍ آخر».
راج شيتي الاقتصادي الشاب وأحد أصغر الأساتذة في قسم الاقتصاد بجامعة هارفارد، يقول:» إنّ تقديم الإعانات للباحثين عن عمل قد تكون نتائجها أفضل بكثير، وذلك لأنها تمنع المؤهلين من أصحاب الكفاءات والشهادات من الحصول على وظائف لا تتناسب مع قدراتهم ومؤهلاتهم العلميّة «. هذا البحث الذي قدمهُ شيتي جاء مخالفاً للنظرية التقليدية التي تقول بأنّ تقديم الإعانات للباحثين عن العمل تقلل بنسبة كبيرة من دوافع البحث عن فرص العمل.
فمثل هذه النماذج الحديثة وإن وضعت بناءً على بعض الدراسات والأبحاث في بيئة وثقافة مختلفة كلياً عن بيئتنا وثقافتنا إلا أنّها تبقى نماذج كغيرها من النماذج الاقتصادية الحديثة القابلة للتعديل بشكل يوائم بُنية المجتمع واحتياجاته، والنظر في إمكانية تطبيقها بطرائق أكثر فاعلية.
فقد تُقدّم الإعانات على شكل قروض لتنمية الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة أو تسهيلات مالية، أو إشراك الشباب في الأعمال الخيرية وخدمة المجتمع مقابل أجر مادّي معقول.
يرى إيمانويل سايز وهو اقتصادي فرنسي وأستاذ جامعي إنّ التفاوت في معدلات الدخل في بعض البلدان قد يكون مؤشرا خطراً على الاقتصاد الكلّي بشكلٍ عام، إذ أنّه لا بد من فرض الضرائب على الأثرياء بنسبة معقولة لضمان تحقيق نوعاً من التوازن في الاقتصاد، سيّما وأنّ استحواذ فئة قليلة من السّكان على الثروات قد يرفع من نسبة احتمالية حدوث كساد اقتصادي جديد.
وبلا شك فإن ذلك كان أحد الأسباب الرئيسية للكساد الاقتصادي الذي ضرب أسواق المال في وول ستريت بأميركا في العام 1929. حيثُ أنّ ازدياد ثروات ومُدّخرات الطبقات الثريّة والمتوسطة أدّى لتوجيه هذه الثروات إلى المضاربات الشرسة في أسواق العقارات والأسهم، مما ترتب على ذلك شلل القطاعات الصناعية الأخرى، وعدم التنوّع في الأنشطة الاقتصادية التي تدعم نمو المجتمعات. وفي نهاية المطاف، امتد هذا الكساد ليضرب الأسواق العالمية الأخرى ويُطيح باقتصادات دول صناعية كبرى، حتى صُنّف ذلك الكساد كأحد أسوأ الكوارث الاقتصادية التي عرفها التاريخ حتى الآن.
في حين أنّ التحدي الأبرز الذي عانت منه تلك الدول جرّاء تلك الكارثة كان مساعدة الشباب العاطلين عن العمل والذين تتراوح أعمارهم تحديداً بين 18 إلى 25 سنة في الانخراط من جديد في خدمة المجتمع، كون أنّ هذه الخطوة تُعتبر الخطوة الأولى نحو الإصلاح الاقتصادي وإعادة هيكلة جديدة وقوية للمؤسسات والأسواق المالية.
ولتحقيق مزيد من التنظيم في هذا الجانب سنّ الكونجرس الأميركي تشريعاً جديداً في العام 1933 عُرف باسم (Civilian Conservation Corps) أي فيلق الخدمة المدنيّة، هذا البرنامج الجديد استهدف فئة الشباب من خلال دفعهم للانخراط في مخيمات شبه عسكرية تقوم بأنشطة اجتماعية عديدة كحفر الآبار، إصلاح الطرق، غرس الأشجار، استخراج الفحم وإزالة التلوث وغيرها الكثير من الأنشطة التي تخدم المجتمع. ضمّ هذا البرنامج أكثر من مليوني شاب، وقد ساهم بشكلٍ كبير في التقليل من التبعات الاقتصادية والاجتماعية التي عصفت بتلك الحكومات.
انصب الجدل بعد ذلك حول إعادة النظر في بعض السياسات والأفكار التي دعا إليها بعض الاقتصاديين كآدم سميث الذي عاش في القرن الثامن عشر، والذي يُعتبر الأب الروحي للاقتصاد الحديث وصاحب أحد أهم الكتب والمراجع الاقتصادية في التاريخ وهو (ثروة الأمم)، حيثُ دعا في كتابه إلى إلغاء تدخّل الدولة في شؤون الاقتصاد، ورفع الحواجز عن عملية التصنيع والتعريفات الجمركيّة وغيرها. وذكر في كتابه بأنّ أفضل وسيلة للنهوض بالاقتصاد هو فتح الأبواب أمام التجارة الحرّة.
بينما في الجانب الآخر قال عالم الاقتصاد الإنجليزي جون كينز أنّه لا بدّ من التدخّل الحكومي في الأنشطة الاقتصادية، ولكن بشكل محدود لتنظيم السياسات النقدية والمالية.
إن اختلاف الأفكار والآراء والنظريات هو أمر طبيعي ووارد في المجتمعات الكبرى، ولكل حُقبة ظروفها ومستجدّاتها، وإنّ النظر ودراسة هذه الحالات الاقتصادية والأزمات التي مرت بها بعض الدول كفيل بتجنّبها لوضع السياسات التي تنهض بالاقتصاد وتتجاوز الأزمات.

عبدالعزيز بن محمد الروشدي
جامعة السلطان قابوس
[email protected]