يستخدم منهج القرينة ونقد الذات في مراجعته للتاريخالتواجد العماني في زنجبار كان مصحوبا بحراك اقتصادي وحضاري كبيرمسقط ـ العمانية:إذا دار الحديث حول قراءة التاريخ العماني فلا بدّ أن يكون سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي أمين عام مكتب الإفتاء حاضرا فيه وبقوة. حاضرا لأنه أحد مراجعيه اليوم، ولأنه أحد مصححيه أيضا. ولا يحتاج السيابي أن يكون فاتحا لأمهات كتب التاريخ العماني حتى يحدثك عن أدق التفاصيل وحتى يراجع معك التواريخ بشكل لا يكاد يقبل الشك.ويستخدم الشيخ السيابي منهج القرينة ونقد الذات في مراجعته للتاريخ ولا يكتفي بقراءة المراجع العمانية بل يقرأ مراجع الآخرين فيما كتبوا عن عمان ويضع كل ذلك أمام منهج نقدي صارم ليصل إلى نقطة الحقيقة أو ما يقاربها.والسيابي عضو عامل في أكاديمية آل البيت الملكية التابعة لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي ومركزها العاصمة الأردنية عمّان. وعين فيها نظير الجهود الكبيرة التي قدمها في خدمة الفكر والثقافة الإسلامية ومشاركته الفاعلة في مؤتمرات المؤسسة وأنشطتها، وبذلك يكون السيابي بين 100 شخصية هم أعضاء الأكاديمية العاملين من مختلف أرجاء العالم الإسلامي.وفي حديثه الخاص مع وكالة الأنباء العمانية أكد الشيخ السيابي أن الكثير من حلقات التاريخ العماني ضاعت، مرجحا أن يكون الأمر عائدا إلى تواضع الشخصية العمانية في مسألة الحديث عن نفسها و إنجازاتها .ويقول السيابي إن "الإنسان الذي لا يتحدث عن نفسه لا يعرفه غيره. حيث لا يمكن للآخر أن يعرف عنه شيئا وبالتالي تضيع حلقة الحركة الحياتية للعلماء والأئمة والمشهورين والقادة إلى غير ذلك. ولهذا السبب ضاعت منا حلقات كبيرة جدا من حلقات التاريخ".لكن سعادة أمين عام مكتب الإفتاء يرد الأمر أيضا إلى سبب آخر وهو "أن الكثير من المصادر الإباضية قد أصابها التلف. ويقول" نحن نقدر أن ما لا يقل عن خمسين في المائة من التراث العماني أصابه التلف، كتب ومصادر نقرأ عنها ولكن لم نرها. قد تكون تلك المصادر تحمل جانبا من التاريخ لأن الإنسان عندما يقرأ المطولات الفقهية العمانية يجد في ثناياها الكثير من أحداث التاريخ ومن ذكر بعض العلماء وحياتهم وهذا في حد ذاته تاريخ. لكن مع هذا فعلا ضاع جانب كبير من التاريخ".ويتساءل الشيخ السيابي أين تاريخ الدولة النبهانية على سبيل المثال؟ أكثر من أربعة قرون لا بد أن يكون فيها حراك وفيها حروب وغزو خارجي. لا بد أن يكون فيها بناء وتعمير؟ أين تفاصيل هذا التاريخ. لو لم يحفظ لنا الستالي عن النباهنة المتقدمين أسماءهم لما عرفناهم. ولكن الشاعر لا يؤرخ، الشاعر يذكر واقعة معينة أو معركة معينة، تهنئة لأمير أو لسلطان لكنه لا يطرحها باعتبارها تاريخا بل على سبيل الذكر والإطراء.ويشير السيابي في معرض حديثه إلى أن الشاعر الكيذاوي حفظ لنا أسماء سلاطين الدولة النبهانية المتأخرين كما يطلق عليهم. لولا هذان الشاعران ما كنا حتى نعرف أسماءهم لكن المتتبع لهذين الديوانين يستطيع ان يقف على بعض المعارك وأسماء الملوك والسلاطين ولكن هذا ليس كل شيء.ولسعادة الشيخ أحمد السيابي إضافة إلى عشرات البحوث والدراسات كتاب "الوسيط في التاريخ" ولديه مشروع لكتابة "الشامل في التاريخ" وحول الإضافة التي يمكن أن يقدمها الكتاب إلى جوار ما كتب حول التاريخ العماني يقول السيابي "الإضافة التي يجب أن نضيفها في الحقيقة لهذا التاريخ تتمثل في البحث عن المعلومة من مصادر غير عمانية، معلومات قد تكون المراجع العمانية لم تطلع عليها. على سبيل المثال فإن المراجع الغربية كتبت عن عمان خاصة منذ مرحلة اليعاربة وإلى اليوم لأنهم كتبوا بشكل كبير عن الصراع العماني البرتغالي، هذا الصراع المجيد العظيم والكبير الذي استطاع به العمانيون أن يخرجوا البرتغاليين من السواحل العمانية ومنطقة الخليج العربي وسواحل أفريقيا وغرب الهند، واليوم نجتر شذرات من كتابات الغربيين أنفسهم وفق التقارير وبعض الباحثين المعاصرين اطلعوا على هذا وترجموا بعضا من تلك التقارير والكتب.ويضيف الشيخ السيابي "الإضافة التي يمكن ان نتحدث عنها اليوم هي تحليل المعلومة واستعمال القرينة لنرى صحة المعلومة من عدم صحتها وأنا أستعمل نقد الذات فيما يتصل بالتراث العماني سواء من الناحية الفكرية أم التاريخية. القرينة تؤكد لنا صحة المعلومة من عدمها، وإذا كانت صحيحة لماذا هي صحيحة لماذا حدث الحدث وكيف حدث. والتحليل يقودك إلى شيء من فهم القضية والحدث التاريخي، ويمكن للإنسان أن يؤطره من ناحية فكرية". وأضاف السيابي: نحن نتكلم اليوم في عمان عن فكر التاريخ ونعرض التاريخ كفكر مرتبط بأمور فكرية.أما الإضافة الأخرى التي يتحدث عنها السيابي فيما يكتبه في التاريخ تتمثل في الاطلاع على مصادر التاريخ العربي ويذكر على سبيل المثال كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثيرالذي يعتبر مرجعا مهما وابن الأثير أفضل المؤرخين من غير العمانيين الذين كتبوا عن عمان. صحيح أنه كانت تفوته بعض الأسماء وبعض الأحداث وبعض الأماكن وأنه لا يكون دقيقا في وصف بعض الأماكن والأشخاص وفي ترتيب الأحداث التاريخية لكن يبقى الكامل لابن الأثير يحمل قدرا من المعلومات المهمة عن عمان.أما ما يتعلق بعهد اليعاربة ودولة البوسعيد فالسيابي يشير إلى أن هذا العصر هو عصر حديث والمعلومات حول هذه الفترة الزمنية موجودة في كتابات الغربيين بشكل وافر.وحول تاريخ الوجود العماني في شرق أفريقيا فإن السيابي يعتبر أن هذا التاريخ لم يلق العناية التي يستحقها من العمانيين مؤكدا أن الوجود العماني في شرق أفريقيا قديم جدا، كان منذ ما قبل الإسلام. ويقول بعد الإسلام نذكر هجرة سعيد وسليمان ابني الجلندى بعد حرب الحجاج لهم، والوجود العماني فى عهد اليعاربة لا أحد يذكر هذا التاريخ.. ونقول جزى الله خيرا الشيخ سعيد بن علي المغيري صاحب كتاب جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار لأنه قام بجولة ساحلية وسجل ذلك التاريخ في كتابه، ولولاه لضاع الكثير من أخبار الوجود العماني في تلك المنطقة من العالم، رغم ذلك فإن الكتاب لم يحط بكل الوجود العماني وامتداده التاريخي. مشيرا إلى أن التواجد العماني في زنجبار كان على الدوام مصحوبا بحراك اقتصادي وحضاري كبير، رغم ذلك أين تجده في كتابات العمانيين عدا المغيري.ويقول السيابي الإضافة تأتي من هنا ونحن نجتهد بقدر الإمكان ونقتبس المعلومة من هنا وهناك من مصادر غير عمانية وأحيانا حتى المصادر اليمنية مثل كتاب عبدالله بن علي باوزير في كتابه تاريخ اليمن، فهو كتاب يمكن الاستفادة منه في بعض التفاصيل.وحول أن كتب الفقه تعتبر أحد المراجع التاريخية المساعدة يقول سعادة أمين عام مكتب الإفتاء: كتب الفقه مصادر مساعدة لأن فيها قضايا وأحداثا تاريخية وفيها حراك أشخاص وفيها جانب حضاري ومعرفة بتفاصيل المجتمع العماني من خلال حراكه الاقتصادي والأمور الاجتماعية ولهذا أعتبرها مصادر مساعدة.وحول التواريخ التي صححها الشيخ السيابي في التاريخ العماني بعد وضعها موضع البحث والتدقيق يقول: كان المؤرخون يعتبرون ان الإمام حفص بن راشد هو ابن راشد بن سعيد وأنه عاش في القرن الخامس الهجري. لكني وجدت ان الإمام حفص بن راشد بن حارب المطهر بن عبدالله الذي جاء من قبل البويهيين بعد أن استولوا على السلطة في الدولة وكان ذلك في حدود مثلا 364 هجرية. وعندما تتبع المطهر بن عبدالله تجده فعلا في بداية ستينيات القرن الرابع الهجري وليس الخامس الهجري. أما راشد بن سعيد فكان في القرن الخامس لأنه كان متواصلا مع الإمام أبي إسحاق الحضرمي صاحب "السيف النقاد" ولذلك قلنا إنه لا يمكن أن يكون ابنه. كان المؤرخون يعتبرون أن حفص هو ابن الإمام راشد بن سعيد بينما اتضح أن فترة الإمام راشد بن سعيد قبل فترة الإمام حفص بن راشد. واتضح لاحقا أنه "أي حفص بن راشد" يكون عم والد الإمام راشد بن سعيد وبينهما قرن من الزمان.وكذلك فيما يتعلق بالخليل بن شاذان الذي اعتبره المؤرخون ابن الإمام الصلت بن مالك الخروصي. ويؤكد السيابي أن وفاة الإمام الخليل بن شاذان في حدود 295 هجرية ووفاة الإمام الصلت بن مالك في حدود 460 أو 465 هجرية ويتضح أن بينهما حوالي قرن ونصف.يتحدث السيابي عن وجود بعض التصحيف في التاريخ العماني و عن تصحيح الاسماء في التاريخ ويقول :ابن دريد ألف كتابا مهما أسماه "الاشتقاق" أي اشتقاق الأسماء في اللغة، يذكر فيها كل اسم لماذا سمي بكذا. وأرجع الأسماء إلى أصولها وكان كثير المجيء إلى عُمان ويعرف قبائل عمان وأماكنها وأماكن وجودها وهو قريب العهد بفترة القرن الثالث الهجري وقام بضبط أسماء كثيرة عندما نقرأها في كتب تاريخنا نجدها شيئا وعندما نقرأها عند ابن دريد في كتاب الاشتقاق نجدها شيئا آخر لأنه ضبطها من حيث اللغة.وحول حركة كتابة التاريخ العماني اليوم وكيف يراها الشيخ السيابي يقول: الآن الحمد لله ظهر جيل من الشباب يهتمون بالتاريخ. وأنا دائما ما أستمع لإذاعة سلطنة عمان ولديهم برنامج من التاريخ العماني يتحدث فيه شباب منهم حملة ماجستير وأساتذة في الجامعة وفي الكليات وهذا شيء جيد ويفرح القلب عندما نرى هذا الجيل من الشباب يهتمون بكتابة التاريخ وضبطه ومراجعته بشكل علمي.وحول قراءته يقول: قراءتي متعددة فإضافة إلى قراءات التاريخ والفقه أقرأ الصحف اليومية المحلية وكذلك صحيفة الخليج وصحيفتي الحياة والشرق الأوسط واقرأ المجلات الأدبية، كما اقرأ الدواوين الشعرية مثل شعر المتنبي والستالي وأبي مسلم وشوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم.ويضيف السيابي: تأتيني العديد من الدعوات لمؤتمرات وندوات عربية وهذه الدعوات تتطلب كتابة ورقة عمل ولدي مشاركة هذه الأيام في مؤتمر في الأردن حول فكر السيرة النبوية، وقد أعددت بحثا حول هذا، وبعدها مؤتمر آخر في تونس كتبت له مقالة حول نهاية الدولة الرستمية.وحول المؤلفات القادمة يقول السيابي لدي العديد من المشاريع أتمنى ان أكملها وأعمل الآن على كتاب بعنوان "المدخل إلى المذهب الإباضي" وكتاب" المدارس الفكرية في عمان"، وأتمنى أن أستطيع كتابة كتاب "دستور الفقه الإسلامي".