إعداد ـ محمد عبدالظاهر عبيدو:
محبة العبد لله تعالى من أعظم الأعمال والعبادات التي تقرب إلى الله عز وجل فهي غذاء الروح وقوت القلوب وهي روح الإيمان وشرط أساسي له، ومحبة الله تعالى تقتضي إتباع أوامر الله والابتعاد عن نواهيه والتقرب إليه بالطاعات والعبادات والتفكر في خلق السموات والأرض والتقرب إليه بالنوافل والإكثار من ذكر الله بالقلب واللسان وإتباع سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) قال الله تعالى:)قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم( (آل عمران ـ 31)
ومحبة الله سبحانه وتعالى مرتبة عظيمة من ينالها يكون تحت رعاية الله عز وجل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)، وأحب الأعمال إلى الله تعالى أداء فرائضه، كما أن الإكثار من أداء النوافل يوجب محبة الله للعبد تعالى ويصبح العبد في معية الله في كل أعماله، قال الله تعالى:)إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) )النحل ـ 128).
* علامات حب الله للعبد:
لمحبة الله للعبد علامات يمكن من خلالها معرفة أن كان الله يحبك الله عز وجل:
عندما يحب الله سبحانه وتعالي عبده ييسر له فعل الخيرات وأداء الطاعات والإكثار من ذكر الله تبارك وتعالى والبعد عن الذنوب والمعاصي يقول بن القيم: إن الله إذا أحب عبدا أنشأ في قلبه محبته، فالإيمان لا يأتيه الله إلا من أحبه في زمن يكثر فيه الفتن والخداع والغش وهذا الرزق يعتبر من أكبر الدلائل على حب الله عز وجل لشخص يحبه، فالله لا يهدي من لا يحب فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
ومن علامات حب الله للعبد أن يهبه الله الأخلاق الحسنة والاتصاف بجميع الصفات الفاضلة والنبيلة وأن يقتدي برسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أخلاقه ومعاملاته، ويجعله الله تبارك وتعالى محبوبا بين الناس، وقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:(أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً) ـ رواه الطبراني.
قال الشيخ التويجري في (موسوعة فقه القلوب): علامة محبة الله للعبد أن يقربه الله من نفسه، ويحبب له طاعته، والإيمان به، ويُكرِّه له المعاصي، ويدفع الشواغل والمعاصي عنه، ويوحشه من غيره، ويحول بينه وبين ما يقطعه عنه، كما قال سبحانه:(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ، فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (الحجرات 7، 8) وإذا أحب الله عبداً ابتلاه .. فإن صبر اجتباه .. فإن رضي اصطفاه.
وقال الشيخ محمد عويضة في (فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب): العلامات التي إذا وجدت في العبد أو أحس بها تدل على أن الله يحبه:
1 ـ حسن التدبير له، فيربيه من الطفولة على أحسن نظام، ويكتب الإيمان في قلبه، وينور له عقله، فيجتبيه لمحبته، ويستخلصه لعبادته، فيشغل لسانه بذكره، وجوارحه بطاعته، فيتبع كل ما يقربه إلى محبوبه وهو الله عز وجل، ويجعله الله نافراً من كل ما يباعد بينه وبينه، ثم يتولى هذا العبد الذي يحبه بتيسير أموره من غير ذلّ للخلق، فييسر أموره من غير إذلال، ويسدد ظاهره وباطنه، ويجعل همه هماً واحداً بحيث تشغله محبته عن كل شيء.
2 ـ الرفق بالعبد، والمراد اللين واللطف، والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع.
3 ـ القبول في الأرض، والمراد قبول القلوب لهذا العبد الذي يحبه الرب، والميل إليه، والرضا عنه، والثناء عليه، كما جاء في الحديث أن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال:(إذا أحب الله عبدا نادى جبريل: إن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض).
4 ـ الابتلاء: فإنه من علامات محبة الله تعالى للعبد، كما جاء في الحديث أن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال:(إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، .. وهذا الابتلاء على حسب قدر الإيمان ومحبة الله للعبد بنص السنة الصحيحة، كما جاء في الحديث أن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال:(أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل، فالأمثل. يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة).
5 ـ يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموت بنص السنة الصحيحة، كما جاء في الحديث أن النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال:(إن الله إذا أحب عبداً استعمله، قالوا: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه لعملٍ صالحٍ قبل الموت).
وبالجملة أيها القراء الكرام: فإن محبة الله هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون .. وإليها شخص العاملون و إلى علمها شمر السابقون وعليها تفانى المحبون وبِرَوحِ نسيمها تروَّح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون.
وهي الحياة التي من حُرِمها فهو من جملة الأموات والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه الأسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خَلَت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه.
ومحبة الله التي بها يحبك لها علامات وأسباب كالمفتاح للباب، ومن تلك الأسباب:
1 ـ اتباع هدي النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال تعالى في كتابه الكريم:(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).
2 ـ الذل للمؤمنين، والعزة على الكافرين، والجهاد في سبيل الله، وعدم الخوف إلا منه سبحانه.
وقد ذكر الله تعالى هذه الصفات في آية واحدة، قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم).
ففي هذه الآية ذكر الله تعالى صفات القوم الذين يحبهم، وكانت أولى هذه الصفات: التواضع وعدم التكبر على المسلمين، وأنهم أعزة على الكافرين: فلا يذل لهم ولا يخضع، وأنهم يجاهدون في سبيل الله: جهاد الشيطان، والكفار، والمنافقين والفساق، وجهاد النفس، وأنهم لا يخافون لومة لائم: فإذا ما قام باتباع أوامر دينه فلا يهمه بعدها من يسخر منه أو يلوم.
3 ـ القيام بالنوافل: قال الله عز وجل في الحديث القدسي:(وما زال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه ..)، ومن النوافل: نوافل الصلاة والصدقات والعمرة والحج والصيام.
* الحبّ والتزاور والتباذل والتناصح في الله:
وقد جاءت هذه الصفات في حديث واحد عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه عز وجل قال:(حقَّت محبتي للمتحابين فيَّ، وحقت محبتي للمتزاورين فيَّ، وحقت محبتي للمتباذلين فيَّ، وحقت محبتي للمتواصلين فيَّ) ـ رواه أحمد.
ومعنى )الْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ( أي: أَنْ يَكُونَ زِيَارَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ أَجْلِهِ وَفِي ذَاتِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ مِنْ مَحَبَّةٍ لِوَجْهِهِ أَوْ تَعَاوُنٍ عَلَى طَاعَتِهِ، وَقَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ) أي: يَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي مَرْضَاتِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أُمِرُوا بِهِ.
الابتلاء فالمصائب والبلاء امتحانٌ للعبد، وهي علامة على حب الله له إذ هي كالدواء، فإنَّه وإن كان مُرّاً إلا أنَّـك تقدمه على مرارته لمن تحب، ولله المثل الأعلى ففي الحديث الصحيح:(إنَّ عِظم الجزاء من عظم البلاء، وإنَّ الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط) ـ رواه الترمذي وابن ماجه.
ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة، كيف لا وفيه تُرفع درجاته وتكفر سيئاته، قال النبي (صلى الله عليه وسلم):(إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبـــه حتى يوافيه به يوم القيامة) ـ رواه الترمذي.
وبيَّن أهل العلم أن الذي يُمسَك عنه هو المنافق، فإن الله يُمسِك عنه في الدنيا ليوافيه بكامل ذنبه يوم القيامة، فإذا أحبك الله فلا تسل عن الخير الذي سيصيبك .. والفضل الذي سينالك .. فيكفي أن تعلم بأنك حبيب الله.
* ثمرات المحبة:
للمحبة ثمار كثيرة ومن هذه الثمرات العظيمة لمحبة الله لعبده ما يلي:
أولاً: حبُّ الناسِ له والقبول في الأرض، كما في حديث البخاري (إذا أحبَّ الله العبد نادى جبريل إن الله يحب فلاناً فأحببه فيحبه جبريل فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض).
ثانياً: ما ذكره الله سبحانه في الحديث القدسي من فضائل عظيمة تلحق أحبابه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):(إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ) ـ رواه البخاري.
فقد اشتمل هذا الحديث القدسي على عدة فوائد لمحبة الله لعبد:(كنت سمعه الذي يسمع به) أي: أنه لا يسمع إلا ما يُحبه الله، (وبصره الذي يبصر به) فلا يرى إلا ما يُحبه الله، (ويده التي يبطش بها) فلا يعمل بيده إلا ما يرضاه الله، (ورجله التي يمشي بها) فلا يذهب إلا إلى ما يحبه الله، (وإن سألني لأعطينه) فدعاءه مسموع وسؤاله مجاب، (وإن استعاذني لأعيذنه) فهو محفوظٌ بحفظ الله له من كل سوء.
نسأل الله أن يوفقنا لمرضاته.
* إمام وخطيب جامع محمد الأمين