لا يجوز لصاحب العمل أن يكلّف العامل ما لا يطيق من الأعمال ويكون التعامل في حدود تلك الطاقات والقدرات الإسلام بتوجيهاته السديدة وجّه المتعاقدين ما يضمن لهم تحقيق المنفعة المشتركة بالعقد، ويقضي على أسباب النزاع جاء الإسلام مُكرّماً للمرأة رافعاً من شأنها، فهي شقيقة الرجل في الحقوق والواجبات، ولا يمكن أن تقوم الحياة بمعزل عنهاقراءة ـ علي بن صالح السليمي:جاءت ندوة تطور العلوم الفقهية في عُمان من خلال عنوانها:(فقه العصر .. مناهج التجديد الديني والفقهي) والتي عقدت خلال الفترة من 15 إلى 18 جمادى الأولى 1436هـ، الموافق 5 إلى 8 ابريل 2015م في نسختها الحادية عشرة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بتوجيهات سامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه.ومن ضمن ما قدم خلال الندوة من بحوث وأوراق عمل كانت لنا هذه القراءة في بحث بعنوان:) نظرية العمل في المذاهب الإسلامية( .. للدكتور صالح بن سعيد بن هلال الحوسني.حول دفع الأجرة وعدم تأخيرها تحدث الباحث قائلاً: والأجرة حق ثابت للعامل نظير ما يقوم به من أعمال لصاحب العمل، حسب ما تم الاتفاق عليه بين طرفي العقد، وتأخير دفع الأجرة ظلم للعامل، والإسلام يحرم الظلم بكافة أنواعه، وأشكاله كما جاء في الحديث القدسي:(ياعبادي إني حرمت الظلم، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، وقال تعالى:(ولا تبخسوا الناس أشياءهم)، بل جاء النص صريحاً في تحريم استحلال عمل العامل دون اعطاؤه اجرة ما عمل، فقد قال (عليه الصلاة والسلام) في الحديث القدسي عن ربه ـ جلّ وعلا:(ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرّاً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعط أجره)، وفي المقابل جاء الأمر واضحاً لتعجيل دفع الأجرة إلى الأجير، فقد قال (صلى الله عليه وسلم):(أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه).وعن عدم التكليف بما لا يطاق، ولا بما لم يتم الأتفاق عليه قال: ولا يجوز لصاحب العمل أن يكلف العامل ما لا يطيق من الأعمال، فكل إنسان له طاقة معينة، فهنا يكون التعامل في حدود تلك الطاقات والقدرات، قال تعالى:(لايكلف الله نفساً إلا وسعها)، والتكليف فوق الطاقة أمر عسير، ويؤدي إلى الضرر، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول:(لا ضرر ولا ضرار)، والمسلمون على شروطهم، فما تضمنه العقد بين طرفي العمل هو الذي يلزم الطرفين، وما عداه فغير داخل في العمل إلا إذا لم يذكر، وكان هناك عرف في ذلك، فيمكن الرجوع الى العرف عند الإختلاف حسما للإشكال في القضية. أما عن المطلب الثالث وهو موضوع (عقد العمل) أوضح الباحث بقوله: وقد وجه الإسلام بتوجيهاته السديدة المتعاقدين ما يضمن للمتعاقدين تحقيق المنفعة المشتركة بالعقد، ويقضي على أسباب النزاع الذي قد ينشأ بسبب عدم وضوح العقد أو لتعدي أحد الطرفين على حقوق الآخر، ومن أهم مرتكزت العقد ما يلي: بيان الأجرة بوضوح: والأجرة لغة هي الجزاء على العمل، واصطلاحاً: العوض الذي يدفعه المستأجر للعامل في مقابل المنفعة التي يأخذها منه، وهذه الأجرة لها أنواع منها: أن تكون نقداً، وهو الأصل وهو الشائع، لأنه الوسيلة لقياس قيمة السلع والخدمات، في المجتمع، فلا بد من ايضاحها بطريقة تنفي الخصومة والجهالة كما قال (صلى الله عليه وسلم):(من استأجر أجيراً فليعلمه أجره)، وقد تكون عينا كمقدار من الشعير أو الرز، ونحو ذلك، وأما إن استأجر أجيراً بطعامه وكسوته فقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم جواز ذلك لأن الأجرة في هذه الحالة تكون مجهولة وقد تؤدي للنزاع، بينما ذهب بعض الفقهاء إلى جواز ذلك مستدلين في ذلك بقوله تعالى:(وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، وما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قرأ طسم (القصص) حتى بلغ قصة موسى ـ عليه السلام ـ فقال:(إن موسى أجر نفسه ثماني سنين أو عشر سنين على عفة فرجه، وطعام بطنه)، وأما الأجرة بالمنفعة فقد يتفق الطرفان أن تكون الجرة منفعة كالسكن أو المواصلات وهو جائز، ويرى أبو حنيفة اشتراط اختلاف المنفعة في الجنس، فإن اتحد جنس المنفعة فلا يصح، بينما جمهور الفقهاء لا يشترطون ذلك، وأما إن كانت الأجرة بجزء من الإنتاج كأن يتفقا على طحن أردب من قمح بمقدار محدد من القمح المطحون فهو جائز عند المالكية بشرط عدم الإختلاف في الصفة التي يخرج عليها بأن يكون كله رديئاً أو جيداً، فإن اختلفت الصفة فلا يجوز، وقد منع الحنفية والشافعية ذلك.وأشار البحث الى أن الفقهاء ناقشوا ما يسمى (أجرة المثل)، والمقصود بها: أجرة المثل هي أن يُعطَى العامل أجرة مثلِ ما قام به من العمل، أي بأن يطلب من أهل الخبرة في مثل العمل الذي قام به العامل أن يقدروا المجهود الذي بذله وما يُستحق عادة في مثل ذلك العمل، وذلك في حالات الخلاف، أو إن زاد العمل عما هو متفق عليه بين الطرفين. وقال حول مدة عقد العمل: ان المدة هي الضابطة للمعقود عليه، وهذا أكثر ما يظهر في الأجير الخاص الذي تم التعاقد مع على عمل في فترة معينة كأن تكون يوماً أو أسبوعاً أو شهراً وهكذا، فبمضي المدة يستحق العامل ما تم الاتفاق عليه من غير تأخير في تسليم الأجرة إليه.وعن العمل في حدود المشروع من الأعمال ذكر الباحث بأن الأعمال التي يباح للعامل العمل فيها كثيرة ومتنوعة، كالزراعة، والصناعة، والبناء، وغيرها مما هو مشروع، وفي المقابل فإن هنالك أعمالاً حرم الإسلام القيام بها، ومنها الشعوذة والسحر، وصناعة الخمور، والعمل في الرقص وغيرها من الأعمال السيئة، التي نهى الله عنها، وهي أيضا تضر ولا تنفع، فتزرع المشكلات في المجتمع، وتضر بالإقتصاد في المجتمع.وتحدث الباحث عن المطلب الرابع وهو (التراضي بين طرفي العقد) بقوله: ويقصد بالتراضي: التعبير عن إرادتين متطابقتين بقصد مباح لقيام أحد الطرفين بالعمل لقاء أجر لحساب الطرف الأخر وتحت إشرافه وإداراته، وبالتالي يكون التراضي في عقد العمل عبارة عن ارتباط الإيجاب الصادر من أحد المتعاقدين (صاحب العمل) بقبول المتعاقد الآخر (العامل) على وجه يظهر أثره في المعقود عليه (العمل محل التعاقد)، والرضا بين العامل، وصاحب العمل حول العمل وكيفيته، وطريقته، ومقدار الأجرة، ومدته، وحصول توافق الإرادتين من الأمور التي لا بد منها لإتمام العقد بين طرفي العمل في الإسلام، وهو ما يعبر عنه بالإيجاب والقبول. وقال: ويختل التراضي بين طرفي العمل في حالات منها: الإكراه: وهو حمل الإنسان على أمر يمتنع عنه بتخويف يقدر الحامل على إيقاعه، وبما أن الإكراه يعدم الرضا، فإن العقد يفسد به عند أكثر الفقهاء، ويصير قابلا للفسخ عند المالكية، وقال بعض الحنفية: يتوقف حكمه على إجازة المكره بعد زوال الإكراه، والهزل: وهو ضد الجد، بأن يراد بالشيء ما لم يوضع له، ولا ما صح له اللفظ استعارة، والهازل يتكلم بصيغة العقد باختياره، لكن لا يختار ثبوت الحكم ولا يرضاه، ولهذا لا تنعقد به.اما عن المبحث الرابع وهو:(عمل المرأة والصبي في الإسلام) فقال: المطلب الأول: عمل المرأة، فقد جاء الإسلام مُكرماً للمرأة رافعاً من شأنها، فهي شقيقة الرجل في الحقوق والواجبات، ولا يمكن أن تقوم الحياة بمعزل عنها، فعندما جاء الإسلام بتشريعاته الكريمة التي تضمن للجنسين الحياة الكريمة وجد أن المرأة كانت في غاية الإمتهان والإذلال ليس فقط عند مشركي العرب، بل حتى في المجتمع المتمدن في ذالكم الزمان، فاليهود والنصارى اعتبروا المرأة أصلا للشرور والآثام، وكذا الحال في بقية المجتمعات، فلا أحد يسر بولادتها، ولا أحد ينصفها، أو يرحمها، ولم تلق المرأة التكريم والعناية إلا في ظل شريعة الإسلام الحقة التي أعادت للمرأة اعتبارها ومكانتها وعزتها.وأشار الى أن المرأة تلقى في الإسلام العناية الكريمة قبل قدومها بتصحيح المفاهيم، وبيان فضل القيام بحقها، وبعد ولادتها تأخذ حقها من الرعاية والحنان والمودة مثل شقيقها الذكر، تنال كل ما تحتاجه في ظل أبويها اللذين لا يفضلان أخاها الذكر عنها في رعاية أو اهتمام أو عطاء، وبعد انتقالها لبيت الزوجية بموافقتها ورضاها بشريك حياتها تلقي منه العشرة الطيبة والكلمة الحسنة والرعاية والاهتمام، وتستمر المرأة مكرمة من قبل أبنائها وذويها، بل إن حقها في الرعاية من قبل أبنائها يفوق ما يقدمه الأبناء إلى أبيهم تعزيزاً لمكانتها وتقديراً لجهدها وحفظاً لجميل صنيعها .. وهكذا تكرم المرأة من ساعة الميلاد إلى آخر لحظة في الحياة، وقد نالت المرأة في ظل الإسلام العديد من المزايا ومن ذلك أنه قد كفل الإسلام للمرأة حق التملك قال تعالى:(للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسئلوا الله من فضله)، فللمرأة مكانتها الإعتبارية وكيانها المستقل في أن تتملك وتتصرف بما تملك في حدود المشروع، وكذا يباح لها ابرام العقود ونحوها مما هو مباح للرجل كذلك، وحياة الرجل مع المرأة على هذه الحياة حياة تكاملية، فما لم يمكن أن يقوم به أحد الجنسين فهو يُكمل من الجنس الآخر، ولذا أقسم الله تعالى بالذكورة والإنوثة عندما قال: (وما خلق الذكر والأنثى)، وفي ذلك تنبيها إلى خصائص كل منهما المتباينة عن الطرف الآخر، والمكملة للإنسجام مع الطرف الآخر. مؤكداَ بأن المرأة كانت سابقاً قبل هذه الطفرة في الحياة الاجتماعية تساعد الرجل في أعمال كثيرة خلا أعمالها المعروفة في بيتها من تربية للأطفال، وتهيئة لما يحتاجه البيت من طعام، وتنظيف ونحوه، وكان عملها في مجال الزراعة والرعي والإحتطاب .. وغيرها من المهن التي تتناسب وطبيعة المرأة، ولربما تتشترك الأسرة جميعا رجالا ونساءا في بعض الأعمال كجني ثمار النخيل في جو من التعاون والستر بعيدا عن الاختلاط المذموم، ودار الزمان دورته وأصبحت هناك مؤسسات، وشركات تستقطب للعمل المكتبي وغيره الرجال والنساء وفق نظام معين، وساعات طويلة يقضيها الموظف والموظفة في تلك المؤسسات، وهنا يثار دائما سؤال عن حكم العمل للمرأة في تلك المؤسسات والشركات... بقية الموضوع الاسبوع القادم.