صدر مؤخرا عن بيت الغشام للنشر والترجمة كتاب للقاص خليفة بن سلطان العبري حمل عنوان: يوم على تخوم الربع الخالي وهو عبارة عن مجموعة قصصية تضمنت 11 نصا، تمثلت في الآتي:" ملتقط الخاتم، ذات ضحى، يوم على تخوم الربع الخالي، ذباب على التمر، في انتظار السلاحف، خلف الستارة، اختفاء الفراشة، باحث عن ساعة، حين يصبح الأمر عاديا جدا، رائحة الكيذا،المتسلق".وقد قام الكاتب بإهداء المجموعة "إلى كل (لا) منتصرة للحق والنبل" مفتتحا نصوصه بعبارة جميلة لرسول حمزاتوف حيث قال فيها: "مياه الغدير التي تصل البحر، وترى أمامها الأزرق اللامتناهي، يجب ألا تنسى النبع العالي في الجبال الذي بدأ منه طريقها فوق الأرض، وذلك الطريق الحجري الضيق المتعرج الكثير المنحدرات الذي قطعته"، وقد دونت الدكتورة جوخه الحارثي عن المجموعة في خلفية الغلاف الخارجي كلمة قالت فيها: "من المرأة الأسطورية في كرمها وحكمتها، العابرة للزمن، حتى أوقف أسطورتها الزمن، إلى الفارس المذهل الذي انساق لخلّب الفخر القديم، ونسي سطوة الزمن، فعاد فرسه وحيدا للمرة الأولى والأخيرة، من أجواء القرية القديمة بنسائها المتزينات بالحليِّ والياس، إلى الأجواء الخاصة للربع الخالي، حيث تلتقي وتنفصل عوالم البدو والحضر كأنها في لعبة أبدية، من عسل التمر البراق في وعائه الأبيض المنقوش إلى سلاحف مختبئة عن جدل التاريخ، من السائق المهموم إلى الرجل الحائر في محل الساعات.. يأخذنا الكاتب خليفة بن سلطان العبري في رحلات مفتوحة، بلغة شفافة، تاركا للزمن أن يطرح سؤاله المخيف دون أن يبحث عن إجابة، لا أحد يملك الإجابة".إننا ونحن نحتفي بهذه المجموعة القصصية الجميلة نحاول بما نروم به الوصول إلى بعض الألفاظ التي ظهرت لنا متأثرة بالبيئة التي زارها القاص العبري ونقل لنا بلغته الجميلة ما شاهده من تفاصيل بعين مصورة للحدث الجميل وتحركات الصورة التي يرصدها مهما تبدلت وتعرت أو تغيرت وانطمست، فالكاتب دائما ما لديه ذلك الشعور المتلازم معه أثناء رحلاته، وهو شعور الكتابة والإبداع، ذلك ما يجعله ينظر بعين من موقع الحدث لينقل للقارئ أدق الأشياء التي تحدث أمامه، ويصفها بأسلوب أدبي جميل. وإذ يقتصر فحصنا وتدقيقنا على قصة العنوان نفسه " يوم على تخوم الربع الخالي" دون بقية القصص الغنية والثرية بالألفاظ اللغوية - كعينة فقط - لنجعلها منطلقا رحبا لنا في هذا الموضوع الذي نحن بصدده لعلها بحد زعمنا تكون البيئة متمثلة فيها بشكل ملفت للنظر، ولأنها بيئة نادرة بكر وطرية واستثنائية في بلادنا الغالية عُمان التي تتنوع بمختلف البيئات البحرية والجبلية، الريفية والحضرية، الصحراوية والرملية، وربما الحديث عن مثل هذه البيئات قليل ونادر في أدبنا ولذلك من الأهمية أن نتطرق للحديث عنها تفتيشا واشتغالا، فحصا وتدقيقا، ومن هذه الألفاظ اللغوية التي تكون ذات دلالات مختلفة ومستعملة في الحياة اليومية الصحراوية في الربع الخالي: الكبينة، تنغمس، كثيب، الشارع المرصوف، الدرب المترب، السمر، نتراص، أبو شنب، هزات الطريق، المطبات، عزبتهم، المرعى هناك أفضل، شركات البترول، المقاولين الفرعيين للشركة، قطعان من جمال متفرقة، أربع حظائر، أشجار الغاف، حداء الإبل، نسيم عليل بين فصلي الصيف والشتاء، القيظ اللافح، موقد طبيعي لشواء كل شيء، الواقعية السحرية، حلب الناقة، الطاسة الممتلئة، رغوة تكاد تفور خارجها، حليب الناقة، تنفخ في الطاسة، مدني، لكزت، الزمول، التمور، الحضري، البدوي، 45 عاما من العمل، البسكويت، الظبي، الشجيرات، التلال الرملية، الأسلحة الآلية، قسوة المناخ، أحواض المياه، شرب النوق، لا مراكز حدود ولا يحزنون، قريب بدو، قدر ضخم، لحم الجدي الشهي، أحاسيس الجوع، ربطة من فئة الخمسين ريالا، بنات مصيحان، الناقة التي تجلس القرفصاء، تطلق بكاء مكتوما، وداع قسري، فراق حتمي.إننا ونحن نقرأ هذه القصص نجد آثار البيئة مثلها لنا كاتب حقيقة في العديد من المواقف والأحداث والطرائف والنوادر والأمثال الشعبية والحوارات الجميلة للشخصيات، وكذلك لغة الراوي نفسه وهو الكاتب جاءت جميلة متناسقة مع كل تفاصيل الأحداث وخط سير كل قصة وكل حدث وكل شخصية فقد رسمها بعناية فائقة؛ فأظهرت لنا اللغة صناعة متنوعة للشخصية الرسمية والشخصية البدوية والشخصية الحضرية والشخصية الناضجة والشخصية الذكورية والشخصية النسوية وكلها ثقافات لشخصيات متفاوتة في المستويات التعليمية والثقافية والمعرفية.ومن المآخذ النقدية على المجموعة القصصية تعدد الأخطاء اللغوية-النحوية- والإملائية والصرفية، وذلك ربما يعود لانعدام المراجعة والتدقيق قبل إخراج هذا العمل بشكله النهائي ووصوله إلى المطبعة، وهو مأخذ لا بد من ذكره كي لا تتكرر مثل هذه الهفوات، وهذا لا يلغي بطبيعة الحال الجهود المبذولة في رحلة هذا العمل وولادته، إنما لفتة نحو طريق آمن في المستقبل لجودة العمل وحرفيته.إن القصص الواردة في يوم على تخوم الربع الخالي تستحق مزيدا من القراءة وإعادة القراءة لما لها من دور كبير في تأصيل قضية اللغة والتي من خلال البيئة تزداد ثراء ويساهم كل ذلك في تمكين القارئ العربي في أي مكان وزمان من معرفة الدلالات التي تفيدها هذه الألفاظ ومدى تمكنها من المقاربات اللفظية للهجات العامية بما يخدم ثراء لغتنا الأم اللغة العربية وشموليتها المبهرة، فاللهجات تزيدها ثراء ولا تنتقص أبدا منها ومن مكانتها بل على العكس تماما فكلما وجدنا لغة أو لهجة أو مجموعة من الألفاظ المهملة وغير المستعملة في معاملاتنا اليومية في أي مكان من وطننا العربي فهذا يعد كنزا عظيما يرفد اللغة والثقافة بالكثير والعديد من الفوائد التي لا تعد ولا تحصى. ناصر الحسني