أنس فرج محمد فرج:
الأمور غير العادية هي بالطبع أمور خارقة للعادة هي أربعة أمور: الأمر الأول (المعجزة) وهي ما سنتحدث عنه في هجرة النبي (صلى الله عليه وسلم) والمعجزة هي أمر خارق للعادة أي أمر غير عادي يظهره الله تعالى على يد مدعي النبوة تصديقاً له في دعواه وهي كثيرة جداً وقد حدثت لجميع أنبياء الله ورسله تصديقاً لهم في دعواهم مثل ناقة سيدنا صالح واليد والعصا لسيدنا موسى والنار لسيدنا إبراهيم وإحياء الموتى لسيدنا عيسى عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليمات، أما ما حدث لسيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) فالكل يعلمه ولا يخفى على أحد من المسلمين وذلك مثل انشقاق القمر وتسبيح الحصى في يديه ونبع الماء من بين أصابعه والإسراء والمعراج والمعجزة الباقية الخالدة التي نراها رأي العين القرآن الكريم.
والأمر الثاني (الإرهاص) وهو أمر خارق للعادة أي أمر غير عادي يظهره الله تعالى على يد مدعي النبوة وهو صغير إيذاناً بأن من حدث له ذلك سيكون له شأن عظيم في وهو كبير مثل ما حدث لسيدنا موسى من عدم قبوله لثدي أي امرأة غير أمه وما حدث لسيدنا عيسى لما تكلم في المهد وما حدث لنبينا (صلى الله عليه وسلم) من شق صدره الشريف وما حدث للسيدة حليمة وأهلها أثناء رضاعته من خير وبركة.
والأمر الثالث (الإهانة) وهو أمر خارق للعادة أي أمر غير عادي يظهره الله تعالى على يد مدعي النبوة كذباً تكذيباً له فيما قال وادعى مثل ما حدث لمسيلمة الكذاب حينما ادعى النبوة حدث أمر عادي ولكنه انقلب عكسا بأمر الله تعالى تكذيباً له فيما قال وذلك حينما أراد مسيلمة الكذاب شفاء عين واحد فتفل فيها فعميت عيناه.
اما الأمر الرابع فهو (الكرامة) وهو أمر خارق للعادة أي أمر غير عادي يظهره الله تعالى على يد عبد صالح تكريماً له.
هذا وقد اجتمع المؤرخون على أنه لم يكن في حياة النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) حادثاً أعظم شأناً وأجل أثراً في ذيوع الإسلام وانتشاره بين ربوع العالم أجمع من حادث الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليمات فقد كانت الهجرة النبوية نقطة تحول في تاريخ الدعوة الإسلامية لأنه انتقل من حالة الدفاع واحتمال الأذى إلى حالة الهجوم وتجميع الجند والانتصار للفتح الإسلامي الكبير وهو فتح مكة وكسر شوكة المشركين وتدمير الشرك في عقر داره وهذا الفتح المبين لم يكن ليحدث لولا هجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه إلى المدينة المنورة مهد الأنصار وموطن تجميع الجند.
والحديث عن الهجرة النبوية لا تمل أذن المؤمن من سماعه مهما تكرر لما فيه العظة والعبرة غير أنني في هذا المقام سأتحدث معكم في الأمور غير العادية في الهجرة النبوية التي أحدثها الله تعالى تأييداً للرسول الأعظم والنبي الأكرم وحفظاً له من أن تناله يد البغي والشرك والظلم بأذى وتثبيتاً لإيمان المؤمنين بدعوته ولفتاً لأنظار ذوي الفكر والاعتبار إلى صدقه في دعوى الرسالة من الله تعالى إلى الناس كافة.
فالمعجزة الأولى هي إلقاء النوم على الأربعين شاباً الذين اجتمعوا لقتل النبي (صلى الله عليه وسلم) تنفيذاً لمؤامرة حدثت في دار الندوة والتي أشار بها أبو جهل عليه اللعنة ووافقه جميع المتآمرين على هذا الرأي وهو أن يأخذوا من كل قبيلة فتى شاباً جلداً ثم يعطوا كل واحد منهم سيفاً صارماً ثم يعمدوا إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فيضربوه ضربة رجل واحد فيقتلوه فيتفرق دمه بين القبائل جميعاً فلا يستطيع بنو عبد المطلب على قتال قومهم جميعاً فيرضون بالدية دفعناها لهم (نفسي فداك يا رسول الله) فلما كانت عتمة الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه وأثناء نومه أو حتى خروجه يضربوه فيقتلوه كما هو مدبر (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) (الأنفال ـ 30)، وأخبر الله تعالى رسوله بالمؤامرة عن طريق الأمين جبريل ـ عليه السلام ـ وأمره ألا يبيت في فراشه هذه الليلة فأمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) علياً أن يبيت في فراشه وأن يتسجى ببردته وأمثل علي للأمر مع علمه بأن الأعداء بالخارج يريدون قتل من في الفراش ظنا منهم أنه النبي وخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) وقد أُلقي عليهم النوم للحظات فاخذ حفنة من التراب في يده فجعل ينثر التراب على رؤوسهم وهو يتلو (فأغشيناهم فهم لا يبصرون) (يس ـ 9) فأخذ الله تعالى أبصارهم فلا يرونه وذهب إلى بيت أبي بكر الصديق ومنه إلى غار ثور، فنوم الناس بالليل أمر عادي ولكن إلقاء النوم على هذا العدد الكبير الذي خرج لقتل النبي والكل ينام في وقت واحد هذا أمر غير عادي بل وأمر خارق للعادة أحدثه الله تعالى حفظاً لرسوله وتأيدا له وإذلالا للمشركين وإهانة لهم حتى أنهم شعروا بالمهانة والإحباط عندما وضع كل منهم يده على رأسه يزيل عنها التراب ولم يعلموا أن الله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم فعناية الله تعالى ترعاه وتحفظه وكانت هذه المعجزة بمثابة الإعلان الإلهي لهؤلاء المشركين أن الله تعالى لن يتخلى عن نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) ولا عن من آمن معه مهما تكن الظروف،
.. ونكمل بإذن الله تعالى المعجزات التي حدثت للنبي (صلى الله عليه وسلم) في الهجرة في اللقاء القادم بإذن الله تعالى.
.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.