أنس فرج محمد فرج:إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:(إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة) ـ صحيح مسلم، وذات يوم خطب مروان بن الحكم فى الناس فذكر مكة وأهلها وحرمتها ولم يذكر المدينة وأهلها وحرمتها فناداه رافع بن خديج فقال: ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها، وقد حرم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما بين لابتيها ثم أتبع قائلاً : وذلك عندنا في أديم خولاني إن شئت أقرأتكه قال: فسكت مروان.وللمدينة حدود فمن أقوال العلماء أن من جهة الجنوب جبل عير، ومن جهة الشمال جبل ثور، والحرة الشرقية من جهة الشرق، والحرة الغربية من جهة الغرب، ويقول (صلى الله عليه وسلم):(المدينة حرم ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً) ـ رواه البخاري. وهذا دعاء النبى (صلى الله عليه وسلم) للمدينة لما قدمها (اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها إلى الجحفة) ـ كما رواه البخاري.إن مدينة النبى (صلى الله عليه وسلم) عامرة به واسمها طيبة فقد قال (صلى الله تعالى عليه وسلم) ذلك فى الحديث الشريف:(وهو على المنبر هذه طيبة هذه طيبة هذه طيبة يعني المدينة) ـ رواه مسلم، وهي أفضل مدن العالم على الإطلاق بعد مكة المكرمة فمكة والمدينة هما مهبط الوحى والمدينة المنورة لقاء للأنصار والمهاجرين وهى مقام أهل الإيثار الذين ذكرهم الله فى القرآن فقال عز من قائل:(والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (الحشر ـ 9)، فى المدينة المنورة رفعت راية الجهاد عالية خفاقة وانطلق منها جنود الرحمن جهاداً فى سبيل الله وفتحت مدن وبلاد كان أهلها من الكفار وانطلقت منها دعوة النبى (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً في أنحاء المعمورة حتى ملأت الأرض عدلاً ونوراً بعد أن كانت ظلماً وجوراً، وبها كانت غزوة الخندق وهي أول غزوة من نوعها في بلاد العرب وآخر غزوة غراها أهل الكفر إليها حدث فيها من المعجزات ما لا يحصى ولا يعد، فيها مسجد الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) وقد قال:(صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام) والحسنة فيه بألف حسنة والسيئة والعياذ بالله بألف سيئة إليها هاجر الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم) وبها انتقل إلى الرفيق الأعلى وبها دفن على ساكنها أفضل الصلوات وأتم التسليمات ذكرها الله تعالى فى القرآن الكريم في غير موضع فقال تعالى:(يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون) (المنافقون ـ 8).وفي فضلها من الأحاديث الشريف ما لا يحصى ولا يعد نذكر منها نبذة عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي (صلى الله تعالى عليه وسلم) قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى) ـ صحيح البخاري، وعن علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ قال: خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى إذا كنا بحرة السقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(ائتوني بوضوء فتوضأ ثم قام فاستقبل القبلة وقال:(اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك ودعا لأهل مكة بالبركة وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في مدهم وصاعهم مثل ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين) ـ رواه الترمذي، وعن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها)، وفي سنن ابن ماجه أيضا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء).وقال العلماء في سكن المدينة النبوية من الفوائد الشرعية والعوائد الأخروية والمصالح الدينية والسعادة النفسية ما يستحقر دونها كل عيش واسع ورغد ورفاه في غيرها من البلدان والأوطان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:(يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء, والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلفه الله فيها خيرا منه) ـ أخرجه مسلم، ويقول (صلى الله عليه وسلم):(ليسمعن ناس برخص من أسعار ورزق، فيتبعونه, والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون) ـ أخرجه البزار والحاكم... هذا والله تعالى أعلى وأعلم.