[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

عادل سعد كاتب عراقي
رغم أنني لا أجد ترامب المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية سوى صانع أقفال حين أشرت إلى ذلك ضمن مقالة سابقة في (الوطن)، إلا أنني لا أكتم تقديري له باعترافه أنه رجل أعمال وليس سياسيًّا محنكًا، وأنه يحتاج إلى فترة معينة ليتدرب على هذه المهمة قبل أن يدخل البيت الأبيض الأميركي.
وفي سياق هذا الاعتراف أدهشتني الأمانة العامة للأمم المتحدة عندما اعترفت بمسؤوليتها بأنها جلبت لهاييتي مرض الكوليرا الذي حصد أكثر من 10000 مواطن هاييتي وطلبت الصفح والمغفرة، وضمن قائمة هذه الاعترافات هناك ساسة وقادة رأي وعسكريون اعترفوا بأخطاء ارتكبوها واعلنوا مسؤوليتهم عن الخسارة التي المت ببلدانهم، ولكن يبقى ما اعترف به الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عن خسارة بلده في حرب يونيو/حزيران عام 1967 سيد الفضيلة التي لم يكررها قادة وزعماء في شجاعة الاعتراف بالمسؤولية الكاملة بالرغم من أنه لا يتحمل جميع أسبابها.
أشير إلى ذلك وأنا أتابع المشهد العراقي في سوق تبادل التهم بين سياسيين، وادعاء شرف وقدسية ونزاهة ونظافة يد والحرص على الوطن والمواطنين في الوقت الذي تتواصل فيه مشاهد مأساوية عراقية عديدة، فهم يتبارون في إشهار صكوك عدم مسؤوليتهم ويعقدون المؤتمرات الصحفية، ويستخدمون وسائل الفيسبوك ويطلون من الفضائيات بأجور مدفوعة ويدفعون أبواقًا للتمجيد بهم، وينامون على حرير الادعاءات بأنهم أنزه من أشعة الشمس في مكاشفاتها النهارية، كل ذلك يأتي في الوقت الذي لا توجد فيه محافظة عراقية واحدة من دون أن تكون لديها حزمة من المشاكل، ومن دون أن تملك قائمة طويلة من سياسيين وموظفين إداريين وتجار رأي يبيعون ويشترون المواقف باسم العراق، والعراق براء منهم براءة الذئب من دم يوسف، مع العلم أننا في العراق لا نجد يومًا خاليًا من ارتفاع اللافتة التي تقول (إن الاعتراف بالخطأ فضيلة) سواء أن كان هذا الاعتراف أمام قاضٍ مخول، أو أمام الرأي العام، ويحضرني هنا ملاحظة أدلى بها مسؤول دولي يعمل ضمن بعثة الأمم المتحدة في العراق (اليونامي) حين قال إن الكذب السياسي في العراق بدون سقف.
إنها مشكلة اجتماعية، بل ونفسية أن يمتنع كل هؤلاء المسؤولين العراقيين المتورطين بأخطاء يرمون أخطاءهم هذه على الآخرين في نمط سلوكي مخجل يحاول بشتى الوسائل أن يعتموا على الحقيقة، ويصادروا حق الآخرين بمناقشة ما يطرحون.
من النادر جدًّا أن تجد سياسيًّا عراقيًّا قد حافظ على هدوئه وتوازنه في رد الاتهامات عنه أو في الاعتراف بها، بل بات شائعًا أن تتصدر البذاءة والكلمات النابية والتعبير المنحط مثل هذه الطروحات لقطع الطريق على المواجهة الشفافة المطلوبة، ولذلك نستطيع أن نؤكد أن الحلول المرصودة لا تمتلك روح المتابعة والمثابرة بما يعين أصحابها على التصدي للتحديات الكبيرة التي تضرب البلاد ابتداء من أزمة الكهرباء إلى أزمات الخدمات الأخرى، وفي مقدمتها أزمة البرلمان العراقي في إيجاد ملتقيات وسط تنهي الخلافات وتتيح لبعض التشريعات أن تجد فرصة التطبيق، وبذلك من حق البعض أن يقول إن العراق أصبح متحفًا للكثير من القوانين المحنطة.
من عيوب الوضع العراقي اعتقاد أغلب ساسته أنهم يملكون تفويضا قاطعا؛ لذلك تحولت المواقف إلى خنادق واختفت اعتبارات المراجعة والمكاشفة وخسرت الفضيلة بعض مواقعها.