تضمنت أدبا وفكرا وبينت تفوقا في الطب والفلك والعلومالقاهرة ـ من حسام محمود:حرصت مصر على الحفاظ على كميات كبيرة من البرديات الفرعونية رغم تعرض البعض للتهريب ولعل أبرز ما خلفته تلك البرديات ما يتعلق بعلوم الطب والفلك وتأريخ الحملات الفرعونية العسكرية والفتوحات القديمة بجانب صور الرقى والنهضة القديمة عبر العصور العتيقة. وقد شهد المعرض الأول للمستنسخات الأثرية والإصدارات العلمية لوزارة الآثار المصرية مؤخرا حضورا إعلاميا عالميا كبيرا حيث شمل عرض مجموعة برديات الملك خوفو التي اكتشفت في منطقة ميناء وادي الجرف. وأقيم المعرض بالمتحف المصري ولفت الأنظار بإلقائه الضوء على برديات قيمة شاهدها زوار المتحف لأول مرة وتعبر عن أهم فترات التاريخ. وتعد برديات خوفو أحدث الاكتشافات في عالم المدونات الحضارية حيث توضح خطط التعمير في عصر الملك خوفو كما تشير إلى حياة العمال الأشداء بمناطق النهضة ممن شاركوا في بناء معجزة الهرم الأكبر مما يؤكد قدرات إدارية فائقة للإدارة في عهد الفراعنة .مخطوطات البرديارتبطت البرديات منذ القدم برغبة الفراعنة في التدوين وترك مخطوطات للأحفاد وقد أحياها المصريون من خلال عروض توضح قيمتها الثمينة في عالم المخطوطات الأثرية بل وحرصوا على وضعها في قاعات خاصة. والبرديات نوع من الورق المعالج والمصنوع من نبات البردي وهو نبات طويل من جنس السعد تمتد سيقانه إلى أعلى وهي ذات مقطع مثلث الشكل وأزهاره خيمية الشكل ويرتفع نباته خمسة إلى تسعة أمتار . وكان أول استخدام لورق البردي في مصر القديمة خصوصا في دلتا النيل وانتقلت بعدها في العصور القديمة إلى فلسطين وصقلية واستخدم الورق في كل نواحي مناطق البحر المتوسط وبعض مناطق أوروبا وجنوب غرب آسيا. وكان ينتج ورق البردي في الإسكندرية وضواحيها حيث تأتى السفن من بلدان حوض المتوسط للتزود بهذه المادة الثمينة وفي الواقع لقد كان ازدهار الإسكندرية الاقتصادي منذ تأسيسها ينبع من التجارة بورق البردي. وقد كشفت البرديات إنجازات الفراعنة في مجال الطب خاصة بردية "أدوين سميث" وتعد الأشهر في تاريخ الطب عند الفراعنة وتوجد الآن ضمن مقتنيات أكاديمية العلوم بنيويورك ويمتد طولها إلى 5 أمتار حيث تصف كيفية التعامل مع 48 حالة جراحية متعددة وتعود تاريخها أثناء حكم الملك أمنمحات الثالث عام 1825 قبل الميلاد وتتكون البردية من ثلاث صفحات. وهناك بردية "إيبرس" التي ذكرت 400 دواء و877 طريقة للعلاج وتعد من أقدم البرديات الطبية حيث تعود إلى عام 3000 قبل الميلاد ويصل طولها إلى 20 مترا وتتضمن علاجات لأمراض العيون والنساء والجراحات والتشريح والباطنة والجلد. كما تتضمن برديات أخرى مجالات الطب عند الفراعنة كبرديات تشستربينى وليدن والرامسيوم وهرست وبرلين الطبية التي تحتوى على شرح مطول عن القلب والأوعية وأغلب العقاقير النباتية والحيوانية وذلك يؤكد كله تفوقا كبيرا لدى المصريين القدماء في العلوم والطب. ولعل الفراعنة قد برعوا في استخدام البردي في العديد من جوانب الحياة كصناعة الحصير والجمال والأحذية والصناديق بل واتخذوا هذا النبات شعارا للوجه البحري ثم وضعت زهرة البردي كرمز لوحدة مصر بوجهيها القبلي والبحري. وكان المصري القديم يصنع الورقة من سيقان النبات الذي يحوي لبابا فيه عصارة ويتم قطع اللباب إلى شرائح متساوية وتوضع متلاصقة ثم طبقات فوق بعضها ويتم الضغط عليها ثم تصقل وتكون جاهزة للكتابة عليها. وكان المصري القديم يستخدم أقلاما من البوص أو القصب في الكتابة على البردي كما استخدم الألوان في الكتابة والنقوش التي لا تزال تحتفظ برونقها. وكانت البرديات تستخدم لأغراض عدة فكانت توضع مع الموتى نصوص طبق معتقدات خاصة كطقوس جنائزية وكان يكتب في الورقة اسم المتوفى. وهناك البرديات الأدبية التي تحوي أساطير فرعونية مثل "ايزيس وأوزوريس" كذلك البردية التي تروي قصة الفلاح الفصيح الذي استطاع بحكمته الفطرية استمالة الحاكم إلى جانبه. يذكر أن العرب تعلموا بعد الفتح الإسلامي لمصر استخدام أوراق البردي وتضمنت هذه الوثائق البردية عقود الزواج والطلاق والشكاوى والأوامر الحكومية بالمشروعات وبعض النصوص الأدبية أو العلمية عبر العصور المختلفة .