روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال:(جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك, قال ثم من؟ قال: أبوك).
أخي القارئ الكريم: هذا الهدي النبوي الشريف هو بمثابة أفضل تكريم للأم وأعظم تشريف لها وإذا كان البعض في زماننا هذا جعل يوما في السنة وأسموه يوم عيد الأم ونسو مدى كرم الأم ومدى فضلها وعظم مكانتها باقي أيام العام ولكن الحمد لله أنه ما زال هناك مسلمون يعرفون للأم مكانتها ومنزلتها وبيوت المسلمين عامرة بمن يعرفون حق الأم ويقومون بواجبهم نحوها على الوجه الأكمل الذي يرضي رب العالمين، يعرفون أن الأم فضلها عظيم وعطائها بلا حدود .. هذه أخي المسلم هي الأم التي أوصى بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث النبوي الشريف ثلاث مرات فهي الأحق بالصحبة والرعاية والطاعة فهي إن رضيت فرضاها من رضاء الله عز وجل، قال الإمام السمرقندي:(لو لم يذكر الله تعالى في كتابه حرمة الوالدين, ولم يوصي بهما لكان يُعرف بالعقل أن حرمتهما واجبة, وكان الواجب على العاقل أن يعرف حرمتهما ويقضي حقهما فكيف وقد ذكر الله تعالى في جميع كتبه في التوراة وفي الإنجيل والزبور والفرقان, وقد أمر في جميع كتبه, وأوحى إلى جميع الأنبياء وأوصاهم بحرمة الوالدين ومعرفة حقهما وجعل رضاه من رضاء الوالدين, وسخطه من سخطهما).
واعلم أخي المسلم أن لطاعة الوالدين ثمرات كثيرة منها: (1) إجابة الدعاء: وأكبر دليل على ذلك حديث الثلاثة الذين دخلوا الغار وانسد عليهم ولم يخرجوا إلا بعد أن دعوا الله تعالى بصالح أعمالهم وكان من بينهم رجل كان بارا بوالديه، (2) غفران الذنوب: فبر الوالدين من أسباب غفران الذنوب وتكفير السيئات كبيرها وصغيرها، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله تعالى عنهما ـ قال:(أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً, فقال: إني أذنبت ذنباً عظيماً فهل لي من توبة؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: لا، قال: هل لك من خالة؟ قال: نعم، قال فبرها)، فهذا الحديث النبوي الشريف يدل على أن صلة الرحم وبر الوالدين من أسباب غفران الكبائر، (3) ومن ثمرات بر الوالدين: البركة في العمر والرزق، وهذا أمر يشعر به كل مؤمن ومؤمنة ومصداق ذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من سرّه أن يمد له في عمره ويُزاد في رزقه فليبر والديه, وليصل رحمه) ومعنى الزيادة في العمر كناية عن البركة فيه ووصول الثواب إليه بعد وفاته من ولد صالح، فعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: ذكر عندنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الزيادة في العمر فقال:(إن الله لا يؤخر نفساً إذا جاء أجلها وإنما الزيادة في العمر: أن يرزق الله العبد ذرية صالحة يدعون له فيلحقهم دعائهم في قبره)، (4) ومن الثمرات المترتبة على طاعة الوالدين أيضاً: دخول الجنة والفوز بالنعيم المقيم فيها وهذا ما أخبر به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما جاءه رجل وقال: يا رسول الله أردت أن أغزو وجئت أستشيرك؟ فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم قال:(فالزمها فإن الجنة عند رجلها) فهذا يدل على أن البارّ بوالديه من أهل الجنة بل هو في ظل عرش الرحمن . فقد أخرج الإمام أحمد عن عمرو بن ميمون الأزدي, قال: لمّا تعجّل موسى إلى ربه رأى رجلا تحت العرش فغبطه بمكانه فسأل ربه باسمه فلم يخبره وقال: إني أحدثك عن عمله بثلاث خصال(كان لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله, ولا يعقّ والديه، ولا يمشي بالنميمة).
واعلم أيها القارئ الكريم: أن بر الوالدين لا ينقطع بموتهما بل حبل البر لا يزال موصولا حتى بعد الموت وهذا فضل من الله تعالى يعود نفعه على الأحياء والأموات وفرصة لمن فاته بر والديه ليتدارك ما فاته من برهما حال حياتهما فقد جاء رجل من بني سلمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال:(نعم . الصلاة عليهما, والاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما من بعدهما, وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما, وإكرام صديقهما) ـ رواه أحمد وابن ماجة وابن حبان في صحيحه وزاد في آخره:(قال الرجل, ما أكثر هذا يارسول الله وأطيبه. قال: فاعمل به).
أخي المسلم: هذه وصيتنا لكل مسلم ومسلمة بأن يتقوا الله في آبائهم وفي أمهاتهم ويبروهم ويطيعوهم فقد جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال:(يا رسول الله: أرأيت إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله, وصليت الخمس, وأديت زكاة مالي وصمت رمضان فقال النبي (صلى الله عليه وسلم):(من مات على هذا كان مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة هكذا ونصب إصبعيه ما لم يعق والديه).
ندعو الله تعالى أن يرحم والدينا وجميع أموات المسلمين ونسأله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضي إنه على كل شيء قدير اللهم آمين والحمد لله رب العالمين.

إبراهيم السيد العربي
إمام وخطيب جامع الشريشة/ سوق مطرح