اليوم أكتب إليكِ مقتاتاً من زاد هذا الحرمان المقدر لنا وله العيش في طوله وعرضه، والصبر على برده وحرّه؛ أما برودته فلا تعرف الحركة حرصاً منه على سر المكان، وأما حره فهذه الحروف العشقية المزهرة في بريقها، والمحرقة في باطنها.
أنا أعلم أنك تتمنين مني أن أُضحك الحروف في كف الورق الآن ، وتتمنين أني أُرقصها فوق ميدان حبك هذا ..ولك الحق، فإن وجهك الذي لم أره إلا ببصر قلبي ضاحك رغم خطوط السياط في مستعرضه، أراه الآن أمامي يشرح معالم البشر في الدنيا بينما يفترُّ برعوم ثغره وهو يقبّل اسمي، ويذيبه مابين لَماه وأنة الآه.
لبيك يا روحي..سأضحكها الحروف ، وأُرقصها، وأحملها لتقرأك قبل قراءتك لها، وأودعها جديدك الساطي على أعماقي كل ثانية ..يا جديدة الحسن لم تفضَّ بكارته عيون الأنام.

أما أنا فقد عوَّدني النظر في كلماتك مشافهتَك من وراء سُتُر الغيب، في ساعة تشف فيها الروح عن مثل دغدغة النجوى، وهشهشة الهمس الوادع الونيء..فلا أقرأ لك كلمةً إلا وأرد عليك باحتضانها ، وتقبيلها لأنها نابتْ عن مبسمك وهو يطبعها على شفتيّ ساعة وفاق، كأنها محض عناق..
وهكذا يرفل الحب في زي المحسوس وهو مسترخٍ على ذراعي الحرف ومداده ..لأن من خاصية الحب جمع متطلبات الحسّ كلها في كل وصلة من وصلاته الغريبة العجيبة..فلا تكاد ترى محباً مع محبوبه إلا وهو محيط به كلية في طعمه، وريحه، ولونه .وحينما يشتاقه لا يشتاقه متفرقَ الأحاسيس ؛ إنما يصهرها فيه حتى يجده في كل مفصل من مفاصل جسده، وكل عرق من عروق حسه.
وأنتِ يا حبي ما ملكتِ مني جزءا، وتركت آخر، ولا استويت على عرش عضو لي وتركت آخر، إنك في لساني شهد الجنان الزاكي، وفي أنفي مسك العبير الجاري، وفي سمعي معزوفة العشق الخالدة على مر الأزمان.....وفي روحي سعادة الدنيا في اسم...

عتيق بن راشد الفلاسي
[email protected]