تاريخيات
بدأنا في العدد السابق الحديث عن المعاهدات السياسية التي وقعت بين عمان وبريطانيا منذ بداية الإمام سلطان بن أحمد الذي حكم خلال الفترة 1792 – 1804م، والذي يعتبر أول حاكم في تاريخ عمان يقوم بتوقيع اتفاقية سياسية مع بريطانيا، وذكرنا بأن تزايد النفوذ الفرنسي في المنطقة من الأسباب التي دفعت إلى توقيع تلك المعاهدة.
ونستكمل اليوم الحديث عن بقية المعاهدات التي وقعت منذ عهد السلطان تركي بن سعيد وحتى عهد السلطان سعيد بن تيمور.

• في عهد تركي بن سعيد 1871-1888م
في عهد السيد تركي بن سعيد، فقد قامت علاقته مع بريطانيا على أساس المصلحة المتبادلة بين الطرفين، حيث كان السلطان بحاجة إلى تعزيز موارده المالية والعسكرية، وكان بحاجة إلى المساعدات البريطانية بهدف اعانته وحمايته من القبائل العمانية التي كانت تثور ضده، فتم في 14 أبريل 1873م ، توقيع اتفاقية بين السلطان تركي بن سعيد وبريطانيا تضمنت إلغاء تجارة الرقيق في الأراضي ، والممتلكات التابعة للسلطان، وأصدر السلطان مرسوما منع بموجبه التجارة بالرقيق سرا أو علنا ، ومعاقبة من يقبض عليه متلبسا بهذه التهمة ، وتم تعويض السلطان عن ذلك بمعونة مالية سنوية تدفعها الحكومة البريطانية ، وقد اتخذت بريطانيا هذه الاتفاقية فيما بعد وسيلة لمراقبة ، وتفتيش السفن سواء أكانت عمانية منها أم أجنبية بحجة الحد من تلك التجارة. وألحقا بعد عامين بتعهد خاص منه يمنح بريطانيا بعض الامتيازات والاستثناءات الجمركية، وأجاز خضوع الرعايا البريطانيين في عمان لمحكمة القنصلية البريطانية.
• في عهد فيصل بن تركي 1888-1913
أما فيما يتعلق بالسلطان فيصل بن تركي الذي حكم خلال الفترة 1888 – 1913، فكان أول عمل سياسي قام به هو توقيع اتفاقية بينه وبين الحكومة البريطانية في 19 مارس 1891م، عرفت باسم الاتفاقية العمانية البريطانية للصداقة والملاحة والتجارة ، التي أضيف إليها في اليوم التالي بند سري تعهد فيه السلطان بالنيابة عن نفسه وعن ورثته وخلفائه ، بعدم التنازل أو السماح ببيع أو رهن أو تأجير أي جزء من ممتلكاته إلا بموافقة الحكومة البريطانية ، مما عرف سياسيا باسم التعهد المانع. وقد وقع هذه الاتفاقية عن الجانب البريطاني، إدوارد روس المقيم البريطاني في الخليج وحلت محل الاتفاقية الموقعة بين عمان وبريطانيا في عهد السيد سعيد بن سلطان عام 1839م. وقد جددت هذه المعاهدة لمدة خمس سنوات في عام 1914، ثم أخذت تتجدد سنويا منذ عام 1919 واستمر تجديدها بصفة دورية حتى عام 1937م.
• في عهد تيمور بن فيصل 1913-1932
وفي عهد السلطان تيمور بن فيصل كان الاتفاقيات أو التعهدات بين مسقط ولندن محورها النفط، ففي 10 يناير عام 1923م تعهد السلطان لبريطانيا بعدم منح أي امتياز نفطي في عمان دون استشارة الحكومة البريطانية ممثلة في الوكيل السياسي في مسقط، وكان من أسباب الحرص البريطاني في ذلك هي قطع المنافسة على محاولة الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على امتيزات في هذا المجال من خلال شركة البترول العربية الأمريكية.
وكان من آثار هذا التعهد قيام السلطان تيمور في عام 1925 بمنح شركة دارسي للتنقيب امتيازا للبحث عن النفط والغاز الطبيعي والمواد المعدنية في عمان، ولكن لم توفق في اكتشاف أي شيء ذو جدوى اقتصادية، وقد انتهت مدة العقد تلقائيا بعد مرور ثلاث سنوات من إبرامه، وتنازلت الشركة عن امتيازها لصالح شركة بترول العراق التي تفرعت عنها شركة استثمار بترول عمان وظفار المحدودة، والتي حصلت في الربع والعشرين من يوليو عام 1937 على امتياز التنقيب عن النفط في عمان من قبل السلطان سعيد بن تيمور.
• في عهد سعيد بن تيمور 1932-1970
وفي عهد السلطان سعيد بن تيمور وقعت معاهدة التجارة والملاحة بين الطرفين عام 1937م لتحل بدلا من معاهدة 1891، كما وقعت عدة اتفاقيات أخرى بين الطرفين ، لعل أشهرها معاهدة الصداقة والتجارة والملاحة مع حكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية والتي وقعت في العشرين من ديسمبر عام 1951، والتي احتوت على 17 بندا، نظمت العلاقة بين الطرفين في المجالات المذكورة. و منحت مسقط حق اقامة القناصل من الناحية النظرية، وأقرت لبريطانيا حق ممارسة السلطة القضائية على رعاياها في عمان بواسطة القنصل البريطاني لمدة عشر سنوات، (في عام 1961 اقتصرت هذه السلطة على موظفي القنصلية البريطانية وعلى الجنود البريطانيين في قاعدتي مصيرة وصلالة)، علاوة على تعيين موظفين بريطانيين في الإدارة الحكومية العمانية والإشراف على القوة العسكرية للسلطان.
وفي عام 1953 وقعت معاهدة الصداقة والتجارة والملاحة بين حكومة الهند ومسقط ، وترتب عليها فتح قنصلية عمانية في مدينة بومباي الهندية، وقد نصت هذه المعاهدة على احترام استقلال وحقوق البلدين، وجاءت في إطار الصلات التقليدية بين عمان وبريطانيا، ويبدو ان استقلال الهند كان حافزا بالنسبة لها في اقامة علاقات مع مسقط بنفس الشروط التي كانت قائمة عندما كانت الهند تتبع بريطانيا، خاصة وان الهند رأت نظرا لكثرة رعاياها في مسقط أن تتولى بنفسها رعاية شؤونهم دون الاعتماد على القنصلية البريطانية في مسقط.
وفي عام 1958 تمت مبادلة المذكرات بين السلطان وبين وزارة الخارجية البريطانية والتي تضمنت تعهد بريطانيا بتقديم المساعدات العسكرية والفنية لعمان مقابل انشاء قواعد جوية في صلالة وفي مصيرة، وقد ترتب على ذلك انشاء حكومة للتنمية تحملت بريطانيسا الجزء الكبر من ميزانيتها والتي قامت بجهود لتطوير الكثير من الخدمات والمجالات في عمان.
وبعيدا عن الموضوع العلاقات البريطانية العمانية، فكان من أبرز المعاهدات التي وقعت في عهد السلطان سعيد بن تيمور هي التي المعاهدة التي وقعت بين مسقط والولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر من عام 1958م والتي والتي بدأ العمل بها بعد مرور سنتين من توقيعها وحلت محل معاهدة عام 1833 التي وقعت في عهد السلطان سعيد بن سلطان، والتي تضمنت تبادل التمثيل القنصلي بين الطرفين، وهو المر الذي لم يتحقق بشكل مباشر، حيث تولى الضباط الأمريكيون في عدن مباشرة المهام القنصلية في مسقط، وقد أرست هذه المعاهدة بداية علاقات جديدة بين عمان والولايات المتحدة الأمريكية ونصت على تبعية رعاياها القضائية لسلطان مسقط وعلى حرية الملاحة وتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

د. محمد بن حمد الشعيلي
باحث في التاريخ العماني
[email protected]