[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
”كانت بدايات الأزمة المتصاعدة من تخطيط الإدارات الغربية ومشاريعها القديمة الجديدة في محاصرة روسيا وتوسيع هيمنتها. حيث دعمت الانقلابيين في كييف وشجعت أخطاءهم في التأزيم والخلاف مع روسيا، وكشفت ازدواجية المعايير فيما حدث، خصوصا فيما انتهت إليه اتفاقية ٢١ شباط/ فبراير 2014 بين الرئيس المنتخب وجماعات المعارضة....”
ـــــــــــــــــــ
لم تعد قضية جمهورية شبه جزيرة القرم في المشهد السياسي كما كانت قبل ما حصل في جمهورية أوكرانيا. انتهى وضعها الداخلي بنتائج استفتاء 16 آذار/ مارس 2014 والانضمام الرسمي والإعلان بالعودة إلى حضن الأم، روسيا، بعد أن قطعها الرئيس السوفييتي نيكيتا خروتشوف وضمها إلى أوكرانيا عام 1954. وأصبح توقع ما يمكن أن ينجم عن هذا الوضع الجديد من تطورات وتداعيات مركبا، لكن الواضح أن الاتحاد الروسي أمن عمقه الاستراتيجي في مواجهة حلف الناتو ومخططات الإدارات الغربية، وصار أسطوله في البحر الأسود رأسيا في مياه روسية، كما بات الدفاع عن أرضه ومياهه الروسية واجبا وطنيا. بلا شك لم تقدم موسكو على هذه الخطوة وبهذا الحسم وتلك السرعة دون ثقتها التامة بأن واشنطن وحلفاءها في الاتحاد الأوروبي وخارجه لن يجازفوا في اية محاولات تنتهي في مواجهة نووية.
تتداخل الصور والمواقف بين كل الأطراف، لا سيما وأن ما حصل لن يمر بسهولة وله استحقاقات وتبعات وتداعيات.. صحيح أنها بدأت بإعلانات عن عقوبات اقتصادية وتصاعدها نحو أصعدة أخرى.. وربما تصل إلى مواجهات، تنتقل من مستوى الحروب الباردة إلى الساخنة في لحظة ما، ولكنها تظل في دائرة الاحتدام والتوتر المتبادل.
صحيح ابتدأت الإدارات الغربية بالعقوبات الاقتصادية على روسيا وبتسارع في التهديدات اللفظية وتصعيدها ولكنها ستقع في أزمة حادة في حال سعى الاتحاد الروسي إلى ضم المزيد من الأراضي الأوكرانية، لا سيما المنطقة الشرقية والجنوبية، رغم تطمينات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد تطالب موسكو بإجراءات مقابلة للعقوبات الغربية، كأوراق ضاغطة أيضا. رغم أن التصعيد في العلاقات الدولية الراهنة، والاهتمام الغربي يتعامل مع القرار الروسي ويتعايش مع تداعياته كأمر واقع.. كما تفعل أوكرانيا برغم التصعيد العسكري الذي تجلى في استدعاء الاحتياط وتسليح بعض المليشيات في المناطق الجنوبية والشرقية. مع العمل سوية من أجل إيقاف ما تحسبه أفكارا روسية بالتمدد أو طمعا في ضم أراض أخرى.
كانت بدايات الأزمة المتصاعدة من تخطيط الإدارات الغربية ومشاريعها القديمة الجديدة في محاصرة روسيا وتوسيع هيمنتها. حيث دعمت الانقلابيين في كييف وشجعت أخطاءهم في التأزيم والخلاف مع روسيا، وكشفت ازدواجية المعايير فيما حدث، خصوصا فيما انتهت إليه اتفاقية ٢١ شباط/ فبراير 2014 بين الرئيس المنتخب وجماعات المعارضة برعاية وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبولندا، التي كان هدفها المصالحة وحكومة وطنية ونزع سلاح المتطرفين اليمينيين، لكن المعارضة لم تنفذ بنود الاتفاقية ما أدى إلى تصعيد التوتر وخروج الأمور عن السيطرة، كرسها هروب الرئيس يانوكوفيتش واحتلال البرلمان والمكاتب الرسمية واعتبار ذلك انتصارا لقوى المعارضة وأبرزها قوى اليمين المتطرف والمدعومة من جهات خارجية.
منذ الساعات الأولى كشفت السلطات الجديدة فقدانها القدرة على التحكم، والتورط في الوقوع في أخطاء متوازية وأخطاء البرلمان تحت ضغط المجموعات اليمينية المتطرفة التي كانت تحاصر المؤسسات الرسمية، مما اضطر إلى إلغاء القانون الذي يضمن الحق باستخدام اللغة الروسية في ١٣ إقليما أوكرانيا، فضلا عن إجراءات أخرى. استفزت موسكو وعرضت الأقلية الروسية وغيرها إلى استهدافات مصيرية. فقد قامت هذه السلطات بعد إسقاط الاتفاقية بقوة السلاح، وتشكيل حكومة من ممثلي الأحزاب اليمينية المتطرفة، كحزب "سفابودا" الذي كان يسمى عند تأسيسه "الحزب الاشتراكي الوطني في أوكرانيا" وله علاقات مع الحزب الوطني الديمقراطي الألماني ـ حزب النازيين الجدد، فقلب وصول النازيين إلى السلطة بكييف المعادلة السياسية والقومية.. وهذا ما أدركه الناطقون باللغة الروسية قبل وزراء خارجية الدول الأوروبية، وهو ما فضح النوايا والخطط الغربية وبين زيف شعاراتها.
وزراء الخارجية الثلاثة الذين مثلوا الإدارات الغربية والذين وقعوا الاتفاقية، تركوا أوكرانيا إلى مصيرها وفسحوا الطريق أمام ما حدث فيها، بما فيه خرق بنود الاتفاقية، التي وقعها أيضا أرسيني ياتسينيوك، رئيس الحكومة الجديدة، وظلت الإدارات الغربية منشغلة إعلاميا في عودة القرم إلى روسيا. بينما لم ترع خطواتها في إعادة الأمن والاستقرار، لا سيما وان حركة "القطاع الأيمن" التي شاركت في السلطة الجديدة مدربة عسكريا في بعض الدول المجاورة، وتطلق على نفسها "جنود الثورة القومية " وتدعو إلى "حرب التحرير الوطنية" لمنع "ترويس أوكرانيا"!.
مع كل ما حصل وقع الرئيس الأميركي باراك أوباما على قانون أقره الكونجرس الأميركي، بشأن تقديم مساعدات مالية لأوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا. وينص القانون على تقديم ضمانات قروض حجمها مليار دولار لكييف، إضافة إلى مساعدات مالية فعلية بقيمة 150 مليون دولار. كذلك يسمح القانون للسلطات الأميركية بتطبيق العقوبات التي سبق أن أعلنتها الإدارة الأميركية ضد عدد من المسؤولين ورجال الأعمال الروس، ردا على انضمام جمهورية القرم إلى روسيا. وتشمل العقوبات المتمثلة في المنع من دخول الأراضي الأميركية وتجميد الأرصدة عددا من المواطنين الأميركيين، اعتبرتهم واشنطن متورطين في نشاط يمس بوحدة أراضي أوكرانيا أو انتهاكات حقوق الإنسان.
لكن الأزمة هذه غيرت معادلات السياسة الدولية وفتحت الطريق أمام نظام دولي جديد، ربما بشكل جديد من أشكال التعايش، قد يختلف عن مرحلة الحرب الباردة، وإن كانت معالمه غير واضحة حتى الآن، ولكن ما بعد القرم، سيرسم نظاما دوليا متعددا، لا تستطيع قوة دولية واحدة أو قطب دولي التحكم بتفرد فيه. خصوصا بعد ما فعلته الإدارات الغربية في ليبيا وسوريا، وبعد الانسحاب/ الهروب من العراق وأفغانستان، والرد الواضح الاستراتيجي في القرم. ومن يمعن النظر جيدا في خطاب الرئيس الروسي أمام الدوما، يدرك أنه وضع الإدارات الغربية أمام تاريخها وما قامت به على مدى ربع القرن الأخير من التفرد. وربما لم يكن الغرب يتوقع أن تتم استعادة القرم بهذا الإصرار، وربما التشدد في ملفات أخرى.