محمد صلى الله عليه وسلم (3)
دبر المشركون مؤامرة للقضاء على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكمنوا أمام بيته كي ينفذوا ما دبروه.. ونزل الوحي على الرسول وأخبره بالمؤامرة، وبالأمر الإلهي بمغادرة مكة والهجرة إلى يثرب.. تلك المدينة التي أسلم كثير من أهلها، وبايعوا الرسول وعرضوا عليه الإقامة معهم.
خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بيته فرأى زعماء الشرك رابضون وبأيديهم السيوف، لكنهم لم يبصروه فقد أعماهم الله.. أسرع النبي إلى رفيقه أبي بكر الصديق وسارا باتجاه الجنوب حتى وصلا غار ثور فمكثا فيه ثلاث ليال حتى تهدأ الأمور فيواصلا سيرهما صوب يثرب.
ثار المشركون وخرجوا يتعقبون النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه فوصلوا إلى غار ثور حيث انتهت آثار أقدامهما لكنهم قفلوا عائدين.
واشتعل غضب قريش ورصدت مائة ناقة لمن يرد محمدا وصاحبه.. انطلق الفرسان من كل حدب وصوب، واهتزت صحراء مكة تحت أقدام الخيول لكنهم عادوا يجرون أذيال الخيبة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سلك طريقا وعرا غير مألوف، لكن فارسا يدعى سراقة بن مالك تمكن من الاقتراب من ركب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا أن فرسه كانت توقعه كلما اقترب من الحبيب فاعتذر إليه وعاد إلى مكة.
استأنف الحبيب هجرته حتى وصل مدينة قباء فبنى أول مسجد بها وصلى بأهل قباء، ثم انطلق إلى يثرب فاستقبله أهلها بالتكبير والإنشاد، ومنذ ذلك اليوم عرفت يثرب بالمدينة المنورة.. آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وبين قبيلتي الأوس والخزرج ثم شرع في بناء مسجده وبيته ونشر الإسلام.
غزوة بدر
استولى مشركو قريش على أموال المسلمين وديارهم ولم يكتفوا بذلك بل دبروا المؤامرات للنيل من النبي وأصحابه واشتدوا في تعذيب المسلمين الباقين بمكة.
قرر الرسول صلى الله عليه وسلم تأديب قريش فخرج لاعتراض قافلة كبيرة محملة بالبضائع والأموال يقودها أبو سفيان بن حرب قادمة من الشام إلى مكة.. خرج مع النبي ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا ولم يكن معهم سوى فرسين وسبعين بعيرا.
وصل الخبر لأبي سفيان فغير طريقه بسرعة وفر هاربا، وأرسل إلى قريش رسولا يستنجدهم لحماية القافلة.
تجمع أهل قريش وحملوا أسلحتهم وخرجوا لملاقاة القافلة إلا أن أبا سفيان أرسل إليهم يخبرهم بنجاة القافلة وطلب منهم أن يعودوا إلى ديارهم.
رفض أبو جهل أن يرجع قبل أن يقضي على المسلمين ثم يقيم ثلاثة أيام عند بئر بدر فيحتفل بانتصاره حتى تهاب العرب قريشا وتعرف قوتها.
وتواجه الجيشان في صباح يوم الجمعة السابع عشر من رمضان من العام الثاني للهجرة.. لجأ النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ودعاه قائلا:
(اللهم أنجز لي ما وعدتني.. اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك).
واستجاب الله دعاء نبيه فأرسل إليه ألفا من الملائكة، وأشرق وجه النبي صلى الله عليه وسلم من الفرح وقال لأبي بكر:
(أبشر يا أبا بكر.. أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بزمام فرسه عليه أداة حرب).
والتحم الجيشان في معركة عنيفة، وراح المشركون يتساقطون واحدا وراء الآخر وانتهت المعركة بانتصار المسلمين، ومات عدد كبير من زعماء المشركين، وعاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة منتصرين ومعهم سبعين أسيرا من المشركين.
غزوة أحد
كاد المشركون أن يموتوا من الغيظ فجهزوا جيشا كبيرا والتحموا مع المسلمين عند جبل أحد.. انتصر المسلمون في أول النهار ثم عصى الرماة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فتركوا أماكنهم وهرعوا نحو الغنائم فانقض المشركون على جيش المسلمين وهزموهم في غزوة أحد.
غزوة الخندق
عاد المشركون إلى مكة وحرضوا قبائل العرب على قتال المسلمين والقضاء عليهم واستجاب لهم كثير من العرب وتعبأوا في جيش كبير واتجهوا إلى المدينة لكنهم فوجئوا بخندق كبير يلتف حول المدينة.
مكث الكفار أمام الخندق حتى هبت عاصفة شديدة فأطاحت بخيامهم وقدورهم ففروا هاربين وقد قذف الله في قلوبهم الرعب.. احتفل المسلمون بنصر الله في موقعة الخندق.
صلح الحديبية
ذات ليلة رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام ثم صلوا وطافوا حول الكعبة.
فرح الصحابة حين عرفوا ذلك لأن رؤيا الأنبياء صدق، واشتد فرحهم حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالاستعداد لزيارة الكعبة، ودعا المسلمين كافة للخروج معه.
غادر النبي المدينة غرة ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة وخلفه ألف وأربعمائة مسلم لا يحملون سوى الزاد والسيوف.
تحرك الموكب نحو مكة وفي الطريق التقى إعرابي بالرسول صلى الله عليه وسلم وأخبره أن قريشا اجتمعت لقتاله وصده عن بيت الله الحرام.. استأنف الموكب سيره حتى وصل إلى الحديبية فنزل فيها، والتقى النبي صلى الله عليه وسلم برجال من قبيلة خزاعة جاءوا يستفسرون عن سبب مجيئه فأخبرهم أنه جاء زائرا للبيت ولم يأت لحرب.
أسرع رجال خزاعة إلى قريش وقالوا:
يا معشر قريش.. إن محمدا لم يأت لقتال وإنما جاء زائرا للبيت.
قالوا: وإن كان لا يريد قتالا فوالله لا يدخلها علينا عنوة (غصبا) أبدا ولا تحدث بذلك عنا العرب.
وأرسلت قريش رسلا لمحمد كى يرجع عن مكة فأرسل إليهم عثمان بن عفان وأخبرهم بأنه جاء زائرا وليس محاربا.
احتجزت قريش عثمان وطارت أخبار كاذبة تفيد بأنه قتل فاشتد غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقرر تأديب قريش.. خاف المشركون فأرسلوا سهيل بن عمرو وقالوا له:
ائت محمدا فصالحه على أن يرجع عنا عامه هذا.
وقف سهيل أمام النبي وأخبره أن عثمان ما زال حيا وبلغه رجاء قريش.
دعا النبي صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب ليكتب بنود الصلح و فيه: "باسمك اللهم.. هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض، على أن من أتى محمدا من قريش بإذن وليه رده عليه، ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يرده إليه... وإنه لا إرسال (سرقة خفية) ولا إغلال (خيانة) وإنه من أحب من غير قريش أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
صاح رجال من قبيلة خزاعة: نحن في عقد محمد وعهده.
وصاح رجال من بني بكر: نحن في عقد قريش وعهدهم... يتبع الحلقة القادمة.

ناصر عبد الفتاح