جاء في سنن الترمذي عن عقبة بن عامر أنه قال: قلت: يا نبي الله ما النجاة؟ فقال:(أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك).إن هذا الصحابي علم علما يقينيا أن الدنيا دار بلاء وابتلاء وفتنة وهلاك فأراد أن ينجو من شرها فسأل عن طريق النجاة فأرشده النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) إلى أسبابها فقال:(أمسك عليك لسانك) وذلك يكون بأن لا تحركه في معصية بل ولا فيما لا يعنيك لأن اللسان ترجمان القلب ولا يأثم العبد بما في قلبه إلا إذا تكلم أو نفّذ وفعل يقول النبي الكريم في الحديث الشريف الذي يرويه أبو هريرة (إن الله تجاوز لأمتي عما وسوست أو حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم) ـ أخرجه الإمام البخاري وحفظ اللسان من كمال الإيمان إكرام الجار وإكرام الضيف وقول الخير أو السكوت، كما جاء في الحديث الشريف الذي يرويه الصحابي الجليل أبو شريح العدوي إذ قال سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال:(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قال وما جائزته يا رسول الله قال يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) ـ أخرجه الإمام البخاري.واللسان أضراره خطيرة وكثيرة يستخف بها كثير من المسلمين لذلك تعجّب معاذ عندما أمره النبي أن يمسك عليه لسانه ويكفه فقال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! فقال ـ عليه الصلاة والسلام:(ثكلتك أمك، وهل يَكُب الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم؟) ـ سنن الإمام ابن ماجه والترمذي فهذا اللسان مع صغر حجمه إلا أنه جبار في تأثيره مَن حفظه دخل الجنة كما قال نبينا صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث الشريف الذي يرويه سهل ابن سعد:(من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة) ـ أخرجه الإمام البخاري فمن حفظ لسانه ولم يتكلم إلا فيما يفيد الناس من نصح وتوجيه وإرشاد وفيما يعود عليه هو بالنفع من ذكر وتلاوة بلغ بما قاله رضوان الله إلى يوم يلقاه وبالمقابل فإن من لم يحفظ لسانه فخاض مع الخائضين فإنه متوعّد بالعذاب وبلغ بما قاله من سخط الله تعالى إلى يوم يلقاه وأخبرنا بذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال:(إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه) موطأ الإمام مالك ولقد سأل صحابي آخر النبي فقال: ما أخوف ما تخاف عليّ؟ فقال (عليه الصلاة والسلام):(هذا)، وأمسك بلسانه. وكم من كلمة غير مسؤولة انطلقت من فم صاحبها فدمرت بيوتا آمنة وأتعست بيوتا سعيدة وأفسدت صداقات قديمة بسبب غيبة أو نميمة وقد أخبرنا نبينا ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ أن الناس يعذبون في قبورهم بمثل هذه الذنوب .. إذن فما النجاة؟. نعود لسؤال الصحابي الجليل ولجواب النبي (صلى الله عليه وسلم) نجد أن النجاة هي ما أخبرنا به النبي (صلى الله عليه وسلم) في ثلاث وصايا (أمسك عليك لسانك) وكان أبو بكر الصديق ـ رضى الله تعالى عنه ـ يمسك لسانه ويقول هذا الذي أوردني الموارد وكان عبد الله بن مسعود يقول: والله الذي لا إله غيره ما من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان والعجيب أن من الصالحين من يقوم الليل ويصوم النهار ويتورع عن الاتكاء على وسادة من حرير ويتورع عن الحرام وهذا جيد ويبنغي أن يكون عليه جميع الناس إلا أنه لا يبالي بالخوض في أعراض الناس بالغيبة والنميمة وتلك مصيبة.وبقية وصية النبي (صلى الله عليه وسلم) لمن سأله عن النجاة (أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك) أي: ليكن لك في بيتك شغلٌ بالله عن الناس وأنسٌ بطاعته وعبادته عن مخالطة الناس ولا سيما في زمن الفتن بشرط أن لا يترتب على ذلك تركٌ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ترك للجمعة وصلوات الجماعة، ولا شك أن بقاء المسلم في بيته خيرٌ له من السفر إلى البلاد الغالب على أهلها التبرج وعدم الاحتشام وانتشار المنكرات والفواحش فيها فإن بقاء المسلم في بيته خير من الذهاب إلى الأسواق التي يكثر فيها الفساد وتتعاظم فيها السيئات أو المطاعم والمنتزهات التي تكثر فيها المنكرات كالاختلاط وسماع الأغاني.وصية عظيمة ونصيحة غالية من النبى الكريم إلى أمته (أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك).إن البكاء على الخطيئة يتضمن الاعتراف بالتقصير في جنب الله والندم على تلك الخطيئة فكل من أقلع عن ذنب ولكنه غير نادم عليه فهذا لم تقبل توبته فيجب على صاحب الذنب أن يبكي على تقصيره في حق الله وحق نفسه.فالرجل الذي لا يصوم رمضان إيماناً واحتساباً وقد انتهى رمضان ولم يخرج منه مغفوراً له يجب عليه أن بكي على خطيئته والذي يمسك مال الزكاة ولا يؤديها في وقتها بخلاً بها على الفقراء وأكلاً لحقوقهم يجب عليه أن يبكي على خطيئته والذي يسمع الأغاني وينظر إلى الحرام يجب عليه البكاء على خطيئته والذي ينام عن صلاة الفجر أو أي صلاة من الصلوات الخمس متعمدًا أو مفرطًا يجب عليه البكاء على خطيئته وكذلك الذي تقام الصلاة وهو في بيته يتشاغل عنها بلعب أو لهو أو مشاهدة منكر ومثله من يسافر إلى الخارج لارتكاب المنكرات يجب عليه أن يبكي على خطيئته والمرأة السافرة يجب عليها البكاء على خطيئتها والمرأة العاصية لأمر زوجها مالم يأمرها بمعصية يجب عليها البكاء على خطيئتها فهؤلاء وغيرهم يجب عليهم البكاء على خطاياهم إن كانوا يريدون النجاة. .. هذا والله تعالى أعلى وأعلم.أنس فرج محمد فرج