حمود الصوافي:
للجمعة آداب ينبغي للمسلم معرفتها والالتزام بها والمواظبة عليها رجاء ثوابها واحتساباً لفضلها

الاغتسال يوم الجمعة مأمور به وورد الحض عليه والترغيب فيه والحكمة من مشروعيته تعظيماً لهذا اليوم ودفعاً لما يؤذي الناس
اعداد ـ علي بن صالح السليمي:
ضمن الخطب القيّمة التي القاها فضيلة الشيخ الجليل/ حمود بن حميد بن حمد الصوافي .. اخترنا لك عزيزي القارئ احدى هذه الخطب والتي هي بعنوان:(صلاة الجمعة .. آدابها وفضلها) .. حيث ان الخطبة تعتبر من اهم الوسائل الدعوية التي استخدمها فضيلته في هذه الحياة ..
يستهل فضيلة الشيخ حمود الصوافي في هذه الخطبة قائلاً: الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ ، الحمدُ للهِ الذي بنعْمتِهِ تتِمُّ الصَّالِحاتُ، وبالعَمَلِ بطاعتِهِ تَطِيبُ الحياةُ، وتَنْزِلُ البركاتُ، سبحانه أرشدَ الخلقَ إلى أكملِ الآدابِ، وفتحَ لهم من خزائنِ رحمتِه وجودِه كلَّ بابٍ، نحمَدُهُ ونسْتعِينُهُ ونستَهْدِيهِ، ونؤمِنُ بِهِ ونتوكّلُ عليهِ، ونسْتَغفِرُهُ ونتُوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشْهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وحْدَهُ لا شريكَ لهُ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ ، يُحيِى ويُمِيتُ وَهُوَ حيٌّ لا يَموتُ، بِيدِهِ الخيرُ وَهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وأشْهدُ أنَّ سيّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُه، أرسلَهُ بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً مُنيراً، أرسلَهُ رحمةً للعالَمينَ، وسراجاً للمُهتدِينَ، وإماماً للمُتقينَ، فبلّغَ الرِّسالةَ، وأدّى الأمانةَ، ونصَحَ الأُمَّةَ، وكشَفَ الغُمَّةَ، وجاهدَ في سَبيلِ ربِّهِ حتى أتاهُ اليقينُ (صلى الله عليه وسلم) وعلى آلِهِ وصحْبِهِ، وعلى كُلِّ مَنِ اهْتدى بهدْيهِ، وسارَ على نهجِهِ، واستنَّ بسُنَّتِهِ، ودعا بدعْوتِهِ إلى يومِ الدِّينِ ، أمّا بعدُ: فيَا عِبادَ اللهِ أُوصِيكم ونفْسِي بتقوى اللهِ، والعملِ بما فيهِ رِضاهُ، فاتقوا اللهَ وراقبوهُ، وامتثِلُوا أوامِرَهُ ولا تعصُوهُ، واذكُرُوهُ ولا تنسَوهُ، واشكُرُوهُ ولا تكفُرُوهُ.
وقال فضيلته: واعلموا أن للجمعة آداباً ينبغي للمسلم معرفتها، والالتزام بها، والمواظبة عليها رجاء ثوابها، واحتساباً لفضلها، فمن آداب الجمعة: عدم الاشتغال عنها بأي شاغل كان كالبيع والشراء وسائر العقود، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن البيع في وقت الجمعة في قوله عز من قائل:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (الجمعة 9 ـ 11)، ومن آداب الجمعة: الاغتسال لها، فإن الاغتسال يوم الجمعة مأمور به، ورد الحض عليه، والترغيب فيه، فعن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل)، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم)، والحكمة من مشروعية الاغتسال يوم الجمعة إزالة الأقذار والأوساخ من البدن وما يتصل به تعظيماً لهذا اليوم، ودفعاً لما يؤذي الناس حال الاجتماع من الروائح الكريهة، والنظافة مطلوبة شرعاً وعقلاً، و(الطهور شطر الإيمان)، ومن آداب الجمعة: التجمل بأحسن اللباس، والتطيب بما حضر من الطيب، والسواك، والتبكير أي الذهاب إليها في وقت مبكر، فقد روي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال:(حقّ على كل مسلم الغسل والطيب والسواك يوم الجمعة)، وروي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال في جمعة من الجمع : (هذا يوم جعله الله لكم عيداً، فاغتسلوا، وعليكم بالسواك)، وعن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة وكل وضوء)، وعن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (عليكم بهذه الثياب البيض، ألبسوها أحياكم، وكفنوا فيها موتاكم، فإنها خير ثيابكم، ولا تكفنوهم في حرير، ولا مع شيء من الذهب، فإنهما محرمان على رجال أمتي، ومحللان لنسائها)، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(من اغتسل يوم الجمعة كغسل الجنابة ، ثم راح فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر)، ومن آداب الجمعة: الإنصات للخطبة، وألا يتكلم والإمام يخطب فإن الإنصات للخطبة واجب على كل حال، وحكم لازم من أحكامها، والكلام حال الخطبة يبطل ثواب الجمعة، ومن تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً، ومن قال لصاحبه يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له، ومن مسح الحصى فقد لغا، والحكمة من الأمر بالإنصات والنهي عن الكلام حال الخطبة خوف الاشتغال عن استماع الذكر الذي أمر الله سبحانه وتعالى بالسعي إليه في قوله عز من قائل:(فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) (الجمعة ـ 9)، ومن آداب الجمعة: ألا يتخطى الداخل رقاب الناس، بل يجلس حيث انتهى به الجلوس ، فلا يجوز له أن يتخطى رقبة مسلم، ولا يجوز له أن يؤذي أحداً، وتخطي الرقاب إساءة للأدب، وإيذاء للمصلين، واعتداء على السابقين المبكرين، وقد روي عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه رأى رجلا يتخطى رقاب الناس فقال له :(اجلس، فقد آذيت وآنيت)، فقوله: آذيت أي آذيت المصلين بتخطي رقابهم، وقوله: آنيت أي تأخرت عن التقدم، وعن سلمان قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويتطيب، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج، فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى)، وعن ابن عمر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال :(يحضر الجمعة ثلاثة نفر: فرجل حضرها بلغو، فذلك حظه، ورجل حضرها بدعاء، فهو رجل سأل الله، إن شاء أعطاه، وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكوت، ولم يتخطّ رقبة مسلم، ولم يؤذِ أحداً، فهي كفارة له إلى الجمعة التي تليها، وزيادة ثلاثة أيام)، وذلك أن الله عز وجل يقول:(مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (الأنعام ـ 160)، فاتقوا الله يا عباد الله، واحرصوا كل الحرص على أداء هذه الشعيرة، وتمسكوا بآدابها وسننها، وأخلصوا أعمالكم لله عز وجل:(فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف ـ 110)، وتآمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة ـ 2)، (وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (الأنفال ـ 1) ، نفعني اللهُ وإياكمْ بِهدْي كتابِهِ .
وقال فضيلته مخاطباً الحضور : أيُّها المسلِمُونَ إنَّ مِن هديِ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) تعظيمَه ليومِ الجمعةِ، وتشريفَه له، وتخصيصَه بعباداتٍ متعددةٍ، فمن المرغَّبِ فيه في يومِ الجمعةِ: الإكثارُ من الدعاءِ، فإنَّ فيه ساعةً لا يصادِفُها عبدٌ مسلمٌ وهو قائمٌ يصلي، يسألُ اللهَ شيئاً إلا أعطاه إياه، فينبغي للمسلمِ أن يحرصَ كلَّ الحرصِ على الدعاءِ في هذا اليومِ المباركِ ، لعلَّه يُصادِفُ هذه الساعةَ، فيفوزَ فوزاً عظيماً، ومن المرغَّبِ فيه في هذا اليومِ المباركِ: الإكثارُ من الصلاةِ على الرسولِ (صلى الله عليه وسلم)، فقد رُويَ عنه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ أنَّه قالَ:(أكثِروا عليّ من الصلاةِ يومَ الجمعةِ وليلةَ الجمعة)، وعن أوسِ بنِ أوسٍ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم):(إنَّ مِن أفضلِ أيامِكم يومَ الجمعةِ، فأكثِروا عليَّ من الصلاةِ فيه، فإنَّ صلاتَكم معروضةٌ عليَّ)، ومن المرغَّبِ فيه في هذا اليومِ المباركِ: قراءةُ سورةِ الكهفِ، فقد رُويَ عنه ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ أنّه قالَ:(مَن قرأَ سورةَ الكهفِ في يومِ الجمعةِ سطعَ له نورٌ من تحت قدمِه إلى عنانِ السماءِ، يضيءُ له يومَ القيامةِ ، وغُفِرَ له ما بين الجمعتين)، ومِن هديِ النبيِّ (صلى الله عليه وسلم) في هذا اليومِ المباركِ: قراءةُ آلم تنزيلُ السجدةِ في الركعةِ الأولى، وهل أتى على الإنسانِ في الركعةِ الثانيةِ من صلاةِ الفجرِ.

* المصدر: (موقع القبس الالكتروني ـ لعبدالله القنوبي)