يقول تعالى:)يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ( والسؤال: هل التفضيل هنا في النسب أم الدين والجنس، أم في جانب آخر؟! وكيف فهم بنو إسرائيل هذا التفضيل؟.لنتأمل بداية مع وصايا الله تعالى لبني إسرائيل في معناها العام: لا تشرك مع الله إلها آخر، بر والديك، لا تزن، لا تسرق، لا تبذر المال وتسرف فيه، تصدق بمالك، لا تأكل مال اليتيم، أوف الكيل والميزان، لا تظلم الناس، لا تتجسس على الخلق وتتبع عوراتهم وتغتاب وتنمم، لا تسيء إلى جارك، لا تقتل الناس بغير حق، لا تسفك الدم، صل أرحامك، عظم وصايا الله وشعائره.هذه الوصايا أوصاها الله تعالى لموسى ـ عليه السلام ـ وهو في الطور، جاء بها مع الألواح محفوظة، وحافظ عليها مذكرا هارون بعد موت موسى، وداود وابنه سليمان، وجميع أنبياء الله، وزكريا ويحي قبيل بعثة المسيح ـ عليه السلام ـ وجاء بها مذكراً عيسى ابن مريم في الإنجيل المقدس، وقد ذكّر بها اليهود مراراً، وصبر على إيذائهم، ونزل التذكير بها على محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ في القرآن جملة، وفي سورتي الأنعام والإسراء خصوصاً.والسؤال: ماذا فهم اليهود من تفضيل الله، وهل وقفوا مع وصايا الله تعالى؟ نرى أنّ جعلوا التفضيل الرسالي تفضيلاً جنسياً وقبلياً، فزعموا أنهم شعب الله المختار، وأنهم أفضل خلق الله، وما عداهم حيوانات وثنية خلقت لخدمتهم، فعاثوا في الأرض فساداً، وحرفوا شريعة الله ووصاياه، إلا من رحم الله منهم، فجعلوا من أحبارهم أرباباً من دون الله، يأكلون أموال الناس بالباطل باسم الله والنذور والمعبد، وسفكوا دم الأبرياء، فكم من نبي قتلوه، وكم من مصلح صلبوه، وكم واعظ أحرقوه، وعاثوا في الأرض فساداً إلى اليوم، فها هي أرض فلسطين أكبر محرقة إنسانية في التأريخ، لم يرحموا طفلاً يصرخ بين أحضان أمه، ولا شيخا يركع لربه، ولا امرأة ضعيفة!.هنا وصايا الله، لتحل محلها وصايا الأحبار والرهبان، والساسة والمصالح الدينية والسياسية .. والله تعالى قانونه واحد:(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ..).فلا ميزان عند الله لجنس أو لون، الإسرائيلي والعربي والهندي والفارسي عندالله سواء، العربي والعجمي سواء، الأبيض والأسود سواء، الغني والفقير سواء أيضا، إنه ميزان الله العدل، لا قيمة لجنس أو مال أو لون عند الله، تغنى بما شئت، وافتخر بمن شئت، ولكن اعلم كل هذا لا قيمة له عند الله إلا عملك فقط، (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ).هذا الفهم الخاطئ عند بني إسرائيل ذاته تكرر عند هذه الأمة، ففهمت قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) فهماً جنسياً قومياً، بل وتصورت نطقها للشهادتين يشفع لها إجرامها وغيها بدون توبة وأوبة ومراجعة، وانتسابها للإسلام غطاء تغطي به سوآتها، كما أنّها تعصبت للجنس العربي وأنه أفضل أجناس الأرض قاطبة.في المقابل كم من الدماء التي تسال باسم الإسلام والطائفة، والله تعالى يقول في وصاياه:(وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)، فأي دين يبيح أن يفجر الإنسان نفسه في محفل أو صومعة أو حافلة أو سوق وهو ينطق الشهادتين، وأي دين يبيح أن يكّفر المسلم أخاه، ويلعن هذا ذاك، ويبيح قتل هذا، ألا ترون المئات بالأمس ماتوا من البرد والتشريد، واليوم يموتون من الحر، لقد بلغ صراخ أطفالهم السماء، وأنين مرضاهم ونسائهم مبلغا لا يعلمه إلا الله، وكل ذلك باسم أننا خير أمة أخرجت للناس.ثم انظروا إلى أبناء الإسلام يتتبعون أخواتهم في وسائل التواصل، وفي المجمعات، وعند المدارس والشوارع، يستغلون نعم التواصل الاجتماعي، ليوقعوهن في الفاحشة، والله تعالى يقول في وصاياه (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)، وهم يدعون الإسلام.وهناك من يقتر في ماله، ويبخل على إخوانه وعياله، أموال تبذر فيما لا ينفع، وفقراء يبحثون عن خبز يومهم، أمهات لا ينمن الليالي بسبب عقوق أبنائهن، وأرحام تقطع صِلاتهم، أغنياء يحتكرون السوق ويستغلون حاجة الناس ليطففوا في الميزان، والقانون يشفع لهم، ليتصدقوا بعد ذلك بفضالة مالهم بعد ما أكلوا واستغلوا حاجة غيرهم.فضاعت هنا الخيرية والتفضيل الإلهي، ليحل محلها الفهم البشري المتحايل على وصايا الله تعالى وقيمه، ليحقق أكبر قدر من مصالحه الذاتية دينياً وسياسياً ومجتمعياً، فلابد من مراجعة جديدة لفكرنا ليكون متكاملا وفق ما يريده سبحانه وتعالى. بدر بن سالم العبري