أخي المسلم: سألني بعض الأخوة فقالوا: أنت تكتب تحت عنوان (حديث الصيام)، ومعنى هذا أن حديثك سيكون عن شهر رمضان وعبادة الصوم، لكننا وجدناك تتطرق إلى الصلاة والزكاة والتوحيد وقصص القرآن والسيرة النبوية، ثم تعرج إلي سيرة الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وسيرة الخلفاء الراشدين ورواة الحديث والأئمة الأربعة وما إلي ذلك، فلماذا لا تغير هذا العنوان ليكون حديث الدين أو حديث اليوم مثلاً؟.
وكانت الاجابة: أن عنوان حديث الصيام لا يجب أن يكون كله وعلى مدار أيام الشهر المبارك جميعها منصبّاً على شهر رمضان وعبادة الصوم فقط لأن الدين كل لا يتجزأ والعبادات تكمل بعضها، فلا صلاة لمن لم ينطق بالشهادتين ويعترف بوحدانية الله جل جلاله ويشهد بأن لا إله غيره وأن محمداً عبده ورسوله لأن الإسلام بني على خمس أولها الشهادتان، ولا زكاة لمن لا صلاة له لأن الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة فان صلحت صلح سائر عمله وان فسدت فسد سائر عمله، ولا صيام لمن لا زكاة له لأن الزكاة ركن من أركان الاسلام قال الله عنها في كتابه الكريم:(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم)، وقال لنبيه المصطفى:(خد من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)، ولا حج لمن لا صيام له لأن الصوم واحد من القواعد الثلاثة اللائى عليهن أسس الاسلام، وقد قال ـ عليه الصلاة والسلام:(من ترك إحداهن فهو بها كافر حلال الدم .. الشهادتين والصلاة المفروضة وصوم رمضان) فكيف يحج إنسان إلي بيت الله وهو لا يصوم شهر رمضان، وكيف يصوم وهو لا يصلي ويبرر ذلك بأن هذا فرض وذاك فرض؟ لا والله ان العبادات كلها مكملة لبعضها وأي اهدار لركن من أركان الاسلام يهدر بقية الأركان والله سبحانه وتعالى لا يحاسب العبد على أداء فرض ويجزيه عنه بمفرده، وإنما الله تبارك وتعالى يحاسب العبد على جميع أعماله الصالح منها وغير الصالح (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفي بنا حاسبين)، أما أن الله عز وجل قد اختص نفسه بعبادة الصوم وقال عنها:(كل عمل ابن آدم له الا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) .. فهذا الحديث القدسى الجليل ليس معناه أن الله سيكافئ الصائم الذى لا يصلي أو الذي لا يزكي أو من لم ينطق بالشهادتين، ولكن قبول الصوم والجزاء عنه مرتبط بالإنسان المسلم الذي يؤدى كافة الفرائض ولا يشرك مع الله أحداً، فمن شهد ألا اله إلا الله فلابد أنه سيؤدى فريضة الصلاة لأن الصلاة هي الصلة بينه وبين الله والوسيلة التى يتقرب بها العبد إلى ربه، ومن صلى فان صلاته ستنهاه عن الفحشاء والمنكر وستلزمه طاعة ربه وتنفيذ ما أمر به فيؤدى بقية الفروض من زكاة وصوم وحج وهكذا .. فهي حلقة متصلة كل جزء فيها يقود إلي الأخرة ، ويتصل به ويرتبط معه ارتباطا لا يقبل التجزئة، أما مقدار الجزاء أو العطاء الرباني فكل عبادة حسنة والحسنة عند الله بعشر أمثالها ويضاعفها لمن يشاء من عباده على قدر عمله وإخلاصه، وللصوم درجة أكبر من العطاء لأن الله تعالي اختص نفسه بهذه العبادة، أما لماذا يحاسب الله الانسان على مجمل أعماله (الصالح منها وغير الصالح) مرة واحدة ولا يجزى الثواب أو العقاب فلأن الله سبحانه وتعالى كريم ورحيم بعباده، فهو يجمع الحسنات في كفة (وجميع الأعمال الصالحات حسنات حتى جماع الرجل لزوجته حسنة) وتزاد الحسنات لعشرا أمثالها أو تضاعف بإرادته جل جلاله، ثم تحصي السيئات وتحسب السيئة بمثلها ويعفو عن كثير (إن الحسنات يذهبن السيئات).
.. وللحديث بقية.

شحاته زايد