حمود الصوافي:
مما يجبُ على كلِّ مكلّفٍ معرفتُه واعتقادُه هو أن يعلمَ أن لله عقاباً لا يشبهه عقاب، وأن عقابَه النار

اللهُ سبحانه وتعالى أخبرنا عن الكثيرِ من أحوالِ أهلِ النار مِن أنّهم يلعنُ بعضُهم بعضاً ويلومُ بعضُهم بعضاً

اعداد ـ علي بن صالح السليمي:
ضمن الخطب القيّمة التي القاها فضيلة الشيخ الجليل/ حمود بن حميد بن حمد الصوافي .. اخترنا لك عزيزي القارئ احدى هذه الخطب والتي هي بعنوان: (ذكر النار وأنواعِ عذابِها في القرآن الكريم) .. حيث ان الخطبة تعتبر من اهم الوسائل الدعوية التي استخدمها فضيلته في هذه الحياة ..
يستهل فضيلة الشيخ حمود الصوافي في هذه الخطبة قائلاً: الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ ، الحمدُ للهِ الذي وعدَ من أطاعَه دارَ النعيمِ ، وتوعّدَ مَن عصاه نارَ الجحيمِ، سبحانه يقولُ في كتابِه المبينِ:(وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ((النساء ـ 14)، نحمَدُهُ ونسْتعِينُهُ ونستَهْدِيهِ ، ونؤمِنُ بِهِ ونتوكّلُ عليهِ ، ونسْتَغفِرُهُ ونتُوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شُرُورِ أنفُسِنَا ومِنْ سيّئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لهُ، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشْهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ ، وحْدَهُ لا شريكَ لهُ ، لهُ المُلْكُ ولهُ الحمدُ ، يُحيِى ويُمِيتُ وَهُوَ حيٌّ لا يَموتُ ، بِيدِهِ الخيرُ وَهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وأشْهدُ أنَّ سيّدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُهُ ورسولُهُ، أرسلَهُ بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجاً مُنيراً ، أرسلَهُ رحمةً للعالَمينَ ، وسراجاً للمُهتدِينَ ، وإماماً للمُتقينَ ، فبلغَ الرِّسالةَ ، وأدّى الأمانةَ ، ونصَحَ الأُمَّةَ ، وكشَفَ الغُمَّةَ، وجاهدَ في سَبيلِ ربِّهِ حتى أتاهُ اليقينُ (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آلِهِ وصحْبِهِ، وعلى كُلِّ مَنِ اهْتدى بهدْيهِ ، وسارَ على نهجِهِ ، واستنَّ بسُنَّتِهِ ، ودعا بدعْوتِهِ إلى يومِ الدِّينِ ، أمّا بعدُ: فيَا عِبادَ اللهِ أُوصِيكم ونفْسِي بتقوى اللهِ، والعملِ بما فيهِ رِضاهُ ، فاتقوا اللهَ وراقبوهُ ، وامتثِلُوا أوامِرَهُ ولا تعصُوهُ ، واذكُرُوهُ ولا تنسوهُ ، واشكُرُوهُ ولا تكفُرُوهُ.
وقال فضيلته: واعلموا أنّه مما يجبُ على كلِّ مكلّفٍ معرفتُه واعتقادُه هو أن يعلمَ أنَّ للهِ عقاباً لا يشبِهُه عقابٌ ، وأنَّ عقابَه النار ، وهو عذابُ اللهِ لأعدائِه في الآخرةِ ، لا انقطاعَ لدوامِها ، وهي نارٌ حاميةٌ ، سوداءُ مظلمة ، لا يطفأُ لهبُها، ولا يخمدُ جمرُها (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم ـ 6)، أعدَّها اللهُ سبحانه وتعالى للعصاةِ من المشركين والفاسقين (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ) (المؤمنون ـ 104)، (سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ) (إبراهيم ـ 50)، (يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آن) (الرحمن ـ 44)، (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ) (الحج 20 ـ 21)، (يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) (غافر 71 ـ 72 )، (لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا) (فاطر ـ 36)، (لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُون) (الزخرف ـ 75)، طعامُهم فيها الضريعُ والزقّومُ، وشرابُهم الصديدُ والحميمُ (أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون ) (البقرة ـ 39). وقد حذّرَنا اللهُ سبحانه وتعالى من النار، وأخبرَنا عن أنواعِ عذابِها في كتابِه العزيزِ بما تتفطّرُ منه القلوبُ، وتتفجّرُ منه الأكبادُ، حذّرَنا منها، وأخبرَنا عن أنواعِ عذابِها رحمةً منه بنا ؛ لنكونَ منها على حذرٍ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) (النساء ـ 56) ، (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِّن وَرَآئِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاء صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظ) (إبراهيم 15 ـ 17)، (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا ((الكهف ـ 29)، (إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى ((طه ـ 74)، (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِي ) (الحج ـ 19 ـ 22)، (وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ((الفرقان 11 ـ 14)، (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ( (الزمر 71 ـ 72)، (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِير)ِ (الملك 6 ـ 11)) إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاء وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) (النبأ 21 ـ 30).
مؤكداً في خطبته بقوله: وقد أخبرَنا اللهُ سبحانه وتعالى عن الكثيرِ من أحوالِ أهلِ النار ، مِن أنّهم يلعنُ بعضُهم بعضاً، ويلومُ بعضُهم بعضا، وأنَّ لهم فيها زفيراً وشهيقاً، وأنّهم يستغيثون فلا يُغاثون، ويستجيرون فلا يُجارون، ويستنصرون فلا يُنصَرون (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (البقرة 166 ـ 167).
فاتقوا اللهَ يا عبادَ اللهِ ، واتقوا النارَ التي (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ((التحريم ـ 6) ، واعلموا أنّه لا شرَّ بعده الجنّةُ بشرٍّ ، ولا خيرَ بعده النارُ بخير ، وكلُّ نعيمٍ دون الجنّةِ حقيرٌ ، وكلُّ بلاءٍ دون النارِ عافيةٌ.
وخاطب الحضور قائلاً: أيُّها المسلِمُونَ: لقد أخبرَنا اللهُ سبحانه وتعالى عن أهلِ النارِ بأنّهم يدعون اللهَ سبحانه وتعالى بأدعيةٍ، فيجيبُهم عزَّ وجلَّ عليها بأجوبةٍ كلُّها سلبيةٌ، تؤيّسُهم وتقنّطُهم من رحمةِ الله، يقولون:(رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ) (إبراهيم ـ 44) ، فيجيبُهم اللهُ عزَّ وجلَّ بقولِه:(أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ) (إبراهيم 44 ـ 45)، فاتقوا اللهَ يا عبادَ اللهِ ، وتأهّبُوا للسفر ، وأعدُّوا الجوابَ للحسابِ ، وقدِّمُوا الزادَ للمعادِ ، وبادروا إلى الأوبةِ قبل انغلاقِ بابِ التوبةِ ، فكلُّ ابنِ آدم خطّاءٌ ، وخيرُ الخطّائين التوّابون (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

* المصدر:(موقع القبس الالكتروني ـ لعبدالله القنوبي)