يا لها من بشرى عظيمة والله إنها لأعظم بشارة يسمعها المؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) نبياً ورسولاً ويشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت إن استطاع إليه سبيلا ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره، نعم من كانت هذه صفاته ومن كانت هه أخلاقه ينال مغفرة الله تعالى ويقبل الله توبته فالتوبة والمغفرة للمؤمن فقط لا ينالها الكافر والمنافق. إن الله تعالى فتح بابه للتائبين ليلا ونهارا (يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده في النار ليتوب مسيء الليل) يتلطف سبحانه وتعالى بعباده الذين كثرت سيئاتهم وعظمت خطاياهم فينهاهم عن أن تحملهم كثرة ذنوبهم على القنوت من رحمة الله تعالى وترك التوبة منها فقال الله تعالى في سورة الزمر الآية 53 و54 :(قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ..). إن الذنب مهم عظم فإن عفو الله أعظم وإن من يظن أن ذنبا لا يتسع له عفو الله تعالى ومغفرته فقد ظن بربه ظن السوء لأن القنوت من رحمة الله تعالى من أعظم الذنوب قال تعالى:(إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (يوسف ـ 87) وهذا لا يعني أبدا أن يعتمد العبد على سعة عفو الله تعالى ورحمته ويتمادى في المعاصي والذنوب لأن هذا معناه الأمن من مكر الله والأمن من مكر الله تعالى أيضا من كبائر الذنوب مثل القنوط فيجب على العبد أن يعترف بذنبه ويطلب من الله تعالى مغفرته ويبادر بالتوبة من كل ذنوبه قال تعالى:(والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون) (آل عمران ـ 135) أنه يجب على العبد أن يبادر بالتوبة فإنه لا يعلم متى يحضره أجله فيحال بينه وبين التوبة وتفوته الفرصة فيندم حين لا ينفع الندم وينتقل إلى الدار الآخرة مثقلا بالذنوب حاملا للأوزار وقال النبي الأكرم والرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم):(إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) أى: ما لم تحضره الوفاة وهل يدرى أحدا متى يموت إنه لا يعلم أحد منا متى نهاية أجله لأن الموت يمكن حضوره في أى لحظة (وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) (لقمان ـ 34). أيها القارى الكريم: إن التوبة ليست مجرد لفظ يتردد على اللسان من غير التزام لمدلولها إن مدلول التوبة هو الرجوع من المعصية إلى الطاعة وذلك لا يكون إلا بتوفر شروط التوبة وهي: الإقلاع عن الذنب أى تركه والابتعاد عنه وعن أسبابه الموصلة إليه، والندم على ارتكابه بأن يحزنه ما وقع منه من المعصية ويستحي من ربه، وأن يعزم عزماً جازماً على ألا يعود إلى هذا الذنب مرة أخرى طيلة حياته، وإذا كان الذنب الذى تاب منه متعلق بحقوق العباد فلا بد أن يتحلل منه ويطلب منه المسامحة فإن كان هذا الحق مالا أخذه منه بغير حق اغتصاباً أو سرقة أو خيانة في معاملة أو وديعة وجب رد هذا المال إن كان باقيا أو رد قيمته إن كان تالفا وإن كان الحق غير مالي كأن استطال في عرضة بغيبة أو نميمة أو سب أو شتم وجب عليه أن يستسمحه إن أمكن أو يدعوا له أو يثني عليه إذ لم يتمكن من التحلل منه وإن تعدي عليه بضرب في بدنه أو جرح وجب عليه أن يمكنه من الاقتصاص منه إن شاء صاحب الحق الاقتصاص منه أو يعفو عنه إن شاء العفو وإن كان الحق حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه فقد روى الإمام مسلم عن أبى هريرة ـ رضي الله تعالى عنه ـ عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي من يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيُعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته قبل أن يُقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).إن الله تعالى فتح لعباده باب التوبة ودعاهم إليها ووعدهم أن يتقبلها منهم ويغفر ذنوبهم فما أعظم هذه العطايا والمنح والهبات التي أنعم الله تعالى بها على الإنسان فقال تعالى:(.. وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون) (النور ـ 31). إن ابن أدم مخلوق ضعيف وقد حف به أعداء كثيرون من شياطين الجن والإنس يحسنون له القبيح ويقبحون الحسن في نظره ومع هؤلاء الأعداء نفسه الأمارة بالسوء تدعوه إلى تناول الشهوات المحرمة فهو معرض للخطر من كل جانب ، لكن مع هذا كله قد جعل الله تعالى له حصنا حصينا إذا أوى إليه رجعت هذه الأعداء كلها خاشعة مدحورة (.. واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) (الحج ـ 78)، فمن بدرت منه خطيئة أو ارتكب معصية فبادر بالتوبة والاستغفار واتبعها بالحسنة التي تمحها كفرها الله تعالى عنه ووقاه خطرها يقول المولى جل وعلا في سورة النساء في الآية الكريمة (110):(ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً).إن التوبة الصادقة تمحوا الخطيئة مهما عظمت فليس بعد الكفر ذنب ومع ذلك فإن الكافر إذا انتهى وآمن غفر الله له ما قد سلف قال تعالى:(قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين) (الأنفال ـ 38)، ولقد عرض الله تعالى التوبة على الذين هم أشد الناس جرما، الذين يقتلون الأنبياء ليس هذا فحسب بل ويقولون (إن الله هو المسيح ابن مريم) (المائدة ـ 72)، ويقولون أيضاً:(إن الله ثالث ثلاثة) (المائدة ـ 73)، فلقد دعا هؤلاء إلى التوبة فقال سبحانه وتعالى في الآية التى تليهما (أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم). .. هذا والله تعالى أعلى وأعلم. أنس فرج محمد فرج