إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري:
.. وهذا الخوف الذي نوَّه الله بأهله في القرآن، ودعا إليه، إنما هو الخوف القائم على مراقبة الله والخضوع لأمره، وترك المحرمات خوفاً منه وتعظيماً له سبحانه، فهو يستلزم الرجوع إلى الله والاعتصام بحبله وبابه، كما قال بعضهم: الخوف سوط الله يقوِّم الشاردين عن بابه، وقال آخر: الخوف سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل لينالوا بها رتبة القرب منه سبحانه، أمَّا الرجاء فقد قال العلماء فيه: الرجاء حادٍ يحدو القُلوب إلى بلاد المحبوب، وهو الله والدَّار الآخرة، ويُطَيِّب لها السير، وقيل: هو الاستِبْشار بِجود فضل الربِّ تبارك وتعالى والارتياح لمطالعة كرمه سبحانه وقيل: هوالثِّقة بجود الرب تعالى، وقيل: هو النَّظر إلى سعة رحمة الله.والإنسان يمر بالشهوات وعجائب اللذات إلا سياط التخويف وسطوات التعنيف فلا بد إذن من بيان حقيقتهما وسبيل التوصل إلى الجمع بينهما فالخوف هو تألم القلب بسبب توقع مكروه في المستقبل يقول تعالى:(وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران ـ 175)، والرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده يقول الله تعالى:(وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (الأعراف ـ 156).
فينبغي على المؤمن أن يكون متوازيا بين الخوف والرجاء فإذا زاد الخوف من عذاب الله على رجاء من ثواب الله أدى اليأس والقنوط من رحمة الله، والله سبحانه وتعالى يقول:(وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف ـ 87) وإذا زاد الرجاء على الخوف أدى الأمان من عذاب الله ومكره والله يقول:(فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (الأعراف ـ 99) ولذلك قيل لو وزن خوف المؤمن ورجاءه لاعتدلا ولكن بعض العلماء قال: إن الأفضل بالمسلم أن يغلب جانب في وقته صحته وشبابه لكي يدعوه إلى مضاعفة العمل الصالح وإذا جاء وقت الانتقال من الدنيا إلى الآخرة فعليه أن يغلب جانب الرجاء لأن الله لا يضيع عمله بعد ما أجتهد في طاعة الله في حياته.
الخوف والرجاء فالخوف لا بد أن يكون دائم في قلب المؤمن ويكون دائماً خائفاً من ربه في كل حين وإن حدثت منه هفوات وأخطاء ومواقف محزنة ومفرحة فإنه سرعان ما يعود ويتذكر عظمة الله وجبروته وقهره وكبرياءه وكذلك الرجاء المقصود من المصاحب للعمل أو الطمع في رضوان الله وجنته من غير عمل صالح فهذاغرور مردود وليس برجاء. ويقول الحسن البصري: إن قوماً غرتهم وألهتم الأماني حتى خرجوا من الدنيا من غير توبة يقول أحدهم إني لحسن الظن بربي وكذب لو أحسن الظن لأحسن العمل، فيجب فهم الرجاء والخوف فهما دقيقا فهما سيان ومرتبطان حذو النعل بالنعل في الشدة والرخاء في السراء والضراء.
ومن الثمرات التي يحصل عليها الإنسان عندما يطبق الخوف والرجاء في حياته أن يشعر المؤمن بملازمته للخوف والرجاء بحياة طيبة ملأها السعادة والإطمئان فجهل الخوف والرجاء أدى إلى اشكالية عند كثير من الناس وعدم تطبيقهم فنرى كثيراً من الناس يعرف فقط إن الله غفور رحيم ويقول ومن أنا حتى يعذبني الله وربما أن الناس الكثيرين الذين يفعلون الذنوب ويقول: كل هؤلاء يعاقبون ويردد أهم شيء النية وهو في الحقيقة لا يعرف معنى النية الصحيحة التي يجب أن يصحبها العمل ونسي أن الله شديد العقاب للعاصين المخالفين لأوامره المستبعدين عن منهجه فإذا رأيت شخصاً عنده أرض ولا يحرثها ولا يتعهدها بالسقي والحرث ثم ينتظر بعد ذلك ثمراً ألا يعد هذا سفها وغروراً وإذا رأيت أحد يريد أن ينجح ويحصل على العلم وهو يلهو ويلعب ألا يعد هذا غروراً فكيف يطلب هذا رضوان الله وجنته وهو لا يقدم عملا صالحا يلقي الله به يوم القيامة ألا يعد هذا غروراً والله تعالى يقول:(فَمَنَ كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف ـ 110)، فالمؤمن يعمل العمل الصالح وهو يعلم الله تعالى لا يظلمه مثقال ذرة ويضاعف الحسنات إلى أضعاف كثيرة فهذا يدعوه إلى زيادة العمل والمسابقة إلى الطاعات والقربات إلى الله تعالى.
إن العاقل يغتنم كل فرصة ويستغل كل محطة ولحظة للتزود لسفره إلى الدار الآخرة بتقوى الله عزوجل قال تعالى:(وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) (البقرة ـ 197) فمن منا إلا وهو راغب في رفع الدرجات وزيادة الحسنات فلنسارع إلى أعمال الخير والصلاح لنسعد في الدنيا والآخرة.