قصص الأنبياء للأطفال

اجتمع أهل نينوى بالعراق في ساحة القرية أمام مجموعة من الأصنام نحتوها بأيديهم واتخذوها آلهة من دون الله فعبدوها.
التف القوم حول الأصنام وخرّ بعضهم ساجدين، بينما أخذ أحدهم يتوسل إلى صنم كبير ويرجوه أن يشفي زوجته.
وذبح أحد التجار شاة سمينة وقدمها قرباناً للصنم كي يوفقه في تجارته.
وهكذا عاش أهل نينوى في ضلال، وعكفوا على عبادة الأصنام، وتوسلوا إليها خاشعين خاضعين وأنساهم الشيطان ربهم الخالق، ووسوس إليهم باتخاذ تلك الأصنام آلهة من دون الله.
ولم يبق في نينوى أحد يعبد الله عز وجل سوى رجل مؤمن اسمه (يونس) .. نشأ يونس ـ عليه السلام ـ منذ صغره مؤمناً بالله، متبعاً دين أجداده الصالحين، ولم يسجد لصنم قط.
اشتد ألم النبي حين رأى قومه ينحتون الأحجار ويصنعون منها تماثيل ويسجدون لها ويدعونها، وهي صماء عاجزة لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع.
أوحي الله تعالى إلى عبده يونس وكلفه بدعوة أهل نينوى إلى عبادة ربهم الخالق ونبذ الأصنام العاجزة .. انطلق نبي الله يونس إلى قومه ودعاهم للإيمان بالله، ونصحهم بفعل الخيرات، وعدم ارتكاب المنكرات ونهاهم عن عبادة أصنام عاجزة لا تقدر على الحركة ولا تنفع ولا تضر.
وأخبرهم النبي أن الله هو الذي خلقهم ورزقهم بالأموال والأولاد، وأنبت لهم الزروع والثمار، وخلق الطيور وسخر الأنعام لخدمتهم.
وأشار يونس ـ عليه السلام ـ إلى السماء قائلاً: الله هو الذي يجري السحاب ويأمره فيسقط المطر بإذنه كي تشربوا منه وتسقوا زروعكم وأنعامكم.
وأخبرهم أن الله هو الذي خلق الكون الفسيح ووضع فيه الكواكب، وخلق الأرض وأرسى فيها الجبال، وأجرى فيها الأنهار والبحار، وخلق السماوات السبع، وخلق الطيور التي تحلق في السماء، وخلق القمر ليضيء الظلام والنجوم كي تهدي المسافرين.
وسألهم النبي: من الذي يستحق أن تعبدوه؟ .. الله الذي خلق كل شيء أم الأصنام التي صنعتموها بأيديكم؟!.
صمت بعض القوم وأصرّ كثيرٌ منهم على كفرهم، وتوعدوا النبي بالإيذاء فأخبرهم أنهم سيحاسبون على أعمالهم بعد الموت فإن آمنوا بالله فسيغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم جنات النعيم يعيشون فيها خالدين فينالون ما تشتهي أنفسهم من حلو الشراب ولذيذ الطعام، أما إن ظلوا على عصيانهم فإنهم سيلقون في النار خالدين فيها، وسوف يشربون الماء المغلي ويأكلون الأشواك.
اشتد عناد القوم وأغلقوا آذانهم حتى لا يسمعوا كلام نبيهم وهددوه .. اشتد حزن النبي وسيطر عليه الغم والضيق لكن اليأس لم يتسرب إلى نفسه.
عاد يونس ـ عليه السلام ـ يدعو قومه لكنه أدرك أنهم لن يؤمنوا بالله فأخبرهم أن الله سينزل عليهم العذاب بعد ثلاث ليالٍ عقاباً على كفرهم.
اجتمع القوم لبحث أمر العذاب الذي توعدهم به يونس ـ عليه السلام ـ وتساءلوا: ـ هل سيقع العذاب فعلاً؟.
قال زعيم القوم: يونس رجل لا يكذب.
تساءل آخر: تقصد أن إله يونس سيهلكنا مثل الأمم السابقة؟.
قال زعيم القوم: لا أعرف .. لكن إن مكث يونس معنا فلن ينزل العذاب، إما إذا رحل عن القرية فإن ربه سينزل العذاب ويهلكنا جميعاً في الموعد الذي حدده.
وأسرع أهل القرية إلى بيت يونس ـ عليه السلام ـ وبحثوا عنه فلم يجدوه .. بحث القوم في جميع أنحاء القرية فلم يجدوا له أثراً.
صرخ زعيم القوم: صدق يونس .. العذاب سيقع بنا لا محالة.
وأدرك القوم أن كلام نبي الله حق، وأن إلهه خالق يستحق العبادة، وندموا على السنوات التي قضوها في عبادة الأصنام العاجزة التي لا تنفع ولا تضر، وتألموا لأنهم أغضبوا نبيهم وسخروا منه وتمردوا عليه .. تخيل القوم نيران الجحيم التي تشوي الأجسام فارتجفت قلوبهم، واشتهوا نعيم الجنة.
واندفع أهل نينوى يجرون من بيوتهم في فزع وهم يحملون الفئوس وتجمعوا في ساحة القرية واشتد الزحام.
انهال الرجال بالفئوس على الأصنام فحطموها وأعلنوا توبتهم، وتوسلوا إلى الله كي يرفع عنهم العذاب.
تقبل الله تعالى توبة قوم يونس، ورفع عنهم العذاب قبيل نزوله .. لكن أين ذهب نبي الله يونس ـ عليه السلام؟.
غادر النبي قريته تاركاً قومه غاضباً منهم، وسار في طريقه مخترقاً الرمال وقلبه يعتصر من الألم وفي نفسه حزن وأسى شديد.
وصل النبي إلى بحر عظيم مياهه صافية وأمواجه هادئة وسماؤه زرقاء وطيوره تحلق في نشوة ومرح.
رأى يونس ـ عليه السلام ـ زحاماً شديداً فوق الشاطئ، وأمتعة ملقاة على حبات الرمال الناعمة، وقارباً راسياً في البحر.
اقترب النبي من صاحب القارب واتفق معه على السفر فرحب به وهيأ له مكاناً مريحاً.
انطلق القارب بالمسافرين لكنه كان يسير ببطء لثقل حمولته، ولما أصبح في وسط البحر غطت السماء سحب داكنة، وأخذت الرياح تزمجر ثم هبت عاصفة عاتية وارتفعت أمواج البحر واندفعت تضرب جوانب القارب بعنف فأخذ يهتز اهتزازاً عنيفاً.
ظلت الرياح تزمجر والأمواج تعلو والرعب يخيم على الوجوه .. ألقى صاحب القارب بالأمتعة كي تخف حمولة القارب فلا يغرق لكن بلا جدوى.
صاح صاحب القارب: لا بد أن نلقي بأحدنا في البحر كي تخف حمولة القارب.
اجتمع المسافرون وأجروا قرعة كي يختاروا من يلقونه فوقعت القرعة على يونس ـ عليه السلام.
تعجب الناس وقالوا: نعيد القرعة فهذا الرجل يبدو أنه صالح.
وأعادوا القرعة فوقعت على يونس ـ عليه السلام ـ مرة أخرى .. أعاد المسافرون القرعة مرة ثالثة فوقعت على نبي الله يونس.
نظر نبي الله إلى البحر ودعا ربه ثم غاص في أعماق البحر وهو واثق أن ربه لن يتخلى عنه.
أرسل الله تعالى حوتاً ضخماً إلى يونس فابتلعه في جوفه دون أن تمسه أسنانه بأذى.
خرّ النبي ساجداً لله في بطن الحوت وشكره لأنه أنقذه من الغرق وهيأ له بيتاً آمناً بعيداً عن الأسماك.
مكث يونس ـ عليه السلام ـ أياماً وليالي في بطن الحوت، وكان يسمع صوت تسبيح الحيتان والأسماك والصخور في البحر.
ندم يونس ـ عليه السلام ـ لأنه غضب من قومه وتركهم دون أن يأذن الله له، وها هو يعيش في طن حوتٍ مظلمٍ في بحرٍ مظلمٍ في ليلٍ مظلم .. إنها ظلمات ثلاث.
استغفر النبي ربه واعتذر إليه ودعاه قائلاW:(.. لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء ـ 87).
وفي الحال أمر الله تعالى الحوت فخرج من البحر، وفتح فمه الواسع ووضع يونس على الشاطئ دون أن يمسه بأذى.
كان يونس ضعيفاً وجائعاً فأنبت الله له شجرة قرع ليأكل منها، وقد اختار له القرع لأنه نبات لذيذ يؤكل نيئاً كما أنه يقوي الجسم.
استرد يونس صحته وكافأه ربه بأن أرسله إلى أكثر من مائة ألف نسمة كى يهديهم فآمنوا بالله واتبعوه.

ناصر عبد الفتاح