الصوم شرعاً هو الإمساك عن المفطرات يوماً كاملاً من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والصوم خير معين للإنسان على تقوى الله تعالى والخشية منه لأن النفس البشرية حين تكف عن الأشياء المباحة خوفاً من الله عز وجل ورجاء في رحمته وطمعاً في ثوابه فإن هذا سيقودها حتماً إلى تجنب الحرام، وفى ذلك يقول المولى جل شأنه:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة ـ 183).ولقد تحدث العلماء كثيرا عن الصيام، فقالوا عن أقسامه وينقسم إلى أقسام أربعة الأول:(المفروض) وهو صيام شهر رمضان وصيام الكفارات والصيام المنذور، والثاني:(الحرام) كصيام الحائض والنفساء ويوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى، والثالث:(المندوب) كصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والرابع:(المكروه) كصوم يوم الجمعة تطوعاً. وقالوا عن مراتبه ثلاثة مراتب: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص، فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأما صوم الخصوص فهو كف البطن والفرج واللسان واليد والرجل والسمع والبصر وسائر الجوارح عن الآثام والشرور والمعاصي، وأما صوم خصوص الخصوص فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة والأفكار المبعدة عن الله تعالى وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية.وقالوا عن آدابه: أن لا يكثر من الطعام في الليل بل يأكل بمقدار فإنه ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ومتى شبع أول الليل لم ينتفع بنفسه إلى قريب من الظهر لأن كثرة الأكل تورث الكسل والفتور ثم يفوت المقصود من الصيام بكثرة الأكل لأن المقصود منه أن يذوق طعم الجوع وأن يكون تاركاً للمشتهى، ومن الآداب التي ينبغي مراعاتها في الصيام أن يكون صومنا صوماً حقيقياً ومعنوياً وذلك بالامتناع عن الأكل الحقيقي والأكل المعنى، أما الأكل الحقيقي فكل طعام أو شراب يصل إلى الجوف، أما الأكل المعنوي فهو مثلاً كأكل مال اليتيم فقد قال الله تعالى:(إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم نار وسيصلون سعيراً) (النساء ـ 10)، وكذلك أكل الربا، قال الله تعالى في سورة البقرة في الآية الكريمة 275:(الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس ..) وكذلك الغيبة والنميمة جعلها القرآن الكريم بمثابة من يأكل لحم أخيه ميتاً، فقال الله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن أن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ..) (الحجرات ـ 12)، وكذلك أكل أموال الناس بالباطل وأكل المال العام وكل أكل حرام فهذا الأكل كله أكلاً معنوياً وهو محرم على كل المسلمين فمن باب أولى محرماً على الصائمينوقالوا عن فرض الصيام: إن صوم رمضان فرض عين على المكلف وكانت فرضيته في شعبان في السنة الثانية من الهجرة، وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى:(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام)، وقوله تعالى:(فمن شهد منكم الشهر فليصمه ..)، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان) ـ رواه البخاري، أما الإجماع فقد اتفقت الأمة على فرضيته ولم يخالف أحد من المسلمين فهي معلومة من الدين بالضرورة ومنكرها كافر كمنكر فرضية الصلاة والزكاة والحج. وقالوا عن فضله: يقول الله عز وجل في الحديث القدسي الذي يرويه الإمام البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:( .. يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي الصيام لي وأنا أجزي به والحسنة بعشر أمثالها)، وعن سهل ـ رضي الله عنه ـ عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:(إن في الجنة باباً يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد) ـ رواه البخاري، والصائم موعود بلقاء ربه فيقول نبينا المصطفى (صلى الله عليه وسلم):(للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه) ـ رواه البخاري، وإن لكل شيء باب وباب العبادة الصوم، ويقول وكيع في قول الله تعالى:(كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية) (الحاقة ـ 24) هي أيام الصيام إذ تركوا فيها الأكل والشرب وجمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في رتبة المباهاة بين الزهد في الدنيا وبين الصوم فقال الله تعالى يباهى ملائكته بالشاب العابد:(أيها الشاب التارك لشهوته لأجلى المبذل شبابه لي أنت عندي كبعض ملائكتي)، وقال (صلى الله عليه وسلم): يقول الله عز وجل:(انظروا يا ملائكتي إلى عبدي ترك شهوته من أجلى)، وقيل في قوله تعالى:(فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) (السجدة ـ 17)، قيل: كان عملهم الصيام لأنه تعالى قال:(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) (الزمر ـ 10). ومن فضل الصيام أيضاً أن يجعل الأغنياء يعطفون على الفقراء والمساكين، وإضعاف سلطان العادة من الطعام والشراب والمكيفات وما إلى ذلك بحيث يكون الإنسان مستعدا لمغالبة هذه العادة والاستغناء عنها بعض الوقت إذا دعت الضرورة إلى ذلك ولهذا ينبغي الاعتدال في تناول الإفطار والسحور. وكل عبادة فيها أمر بالفعل أما الصوم فهو كف وترك وهو في نفسه سر ليس فيه عمل يشاهد ولا يراه إلا الله عز وجل والصوم قهر لعدو الله فإن وسيلة الشيطان الشهوات وتقوى الشهوات بالأكل والشرب. والصوم يربي في النفس قوة الإرادة والمشيئة لله تعالى في السر والعلانية والصوم يعود الإنسان على ترك المحرمات ومنكرات الأعمال والأقوال لأنه يمتنع أثناء صومه عن المباحات فهذا يوجهه إلى ترك ما نهى الله عنه من باب أولى وفى ذلك يقول الرسول (صلى الله تعالى عليه وسلم):(إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم) ـ رواه الترمذي.وهناك أمور يمتاز بها صوم المتقين وهى غض البصر عن الحرام وحفظ اللسان عن الهذيان والفحش والبغي والخصومات والمراء وكف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه وكف سائر الجوارح عن ارتكاب سائر المنكرات وعدم الإكثار من الطعام الحلال وقت الإفطار وأن يكون القلب مضطرباً بين الخوف والرجاء.والصيام مروض للنفس وصالح للبدن ويساعد على التفكير في خلق السماوات والأرض وأنه ضروري لبقاء المجتمع، وهكذا نجد أن شهر رمضان مهرجان ديني كبير ينعش نفوس المسلمين ويجدد نشاطهم ويفجر طاقتهم ويصلهم بأجمل ذكرياتهم ويدفع بهم إلى العمل الصالح والإيمان القوى ويسمو بنفوسهم إلى أبهى صورها وأسمى كمالاتها. .. هذا والله تعالى أعلى وأعلم. أنس فرج محمد فرج