إعداد ـ محمد عبد الظاهر عبيدو:في مقال اليوم نتحدث عن صور ونماذج للمنفقين والجوادين ليقتدي بهم ويكون ذلك حافزاً لنا.علي أن نعمل بمثل الذي عملوا, ومن هؤلاء أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ فقد كان سباقا في فعل الخير لم يسبقه أحد في أعمال الخير وقد أثني الله عليه بذلك فقال تعالى:(وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحدٍ عنده من نعمة تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى) (سورة الليل).ويروي لنا الإمام مسلم عن أبي هريرة، والبيهقي عن أنس والبزار عن عبد الرحمن بن أبي بكر حديثًا يوضح لنا مثالاً لمسارعة الصديق (رضي الله عنه) إلى الخير، نذكر هنا رواية البزار؛ لأن فيها توضيحًا أكثر للموقف، يقول عبد الرحمن بن أبي بكر ـ رضي الله عنهما: صلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صلاة الصبح، ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال:(مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ فقال عمر: يا رسول الله، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطرًا. فقال أبو بكر: ولكني حدثت نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت صائمًا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(هَلْ أَحَدٌ مَنْكُمُ الْيَوْمَ عَادَ مَرِيضًا؟ فقال عمر: يا رسول الله لم نبرح، فكيف نعود المريض؟ فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ، فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ مِسْكِينًا؟ فقال عمر: صلينا يا رسول الله، ثم لم نبرح؟ فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا بسائل، فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها، ودفعتها إليه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): أَنْتَ فَأَبْشِر بِالْجَنَّةِ، ثم قال كلمة أرضى بها عمر، بل إن في رواية أبي هريرة في صحيح مسلم يسأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوق هذا فيقول: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ فقال أبو بكر: أنا، وفي نهاية الحديث قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :( مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ).حقًّاً، من العسير والله أن تحصر مواقف السبق في حياة الصديق ـ رضي الله عنه ـ وأرضاه فالسبق في حياته يشمل كل حياته، يلخص هذا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ في الحديث الذي رواه أبو داود، والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. يقول عمر: أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق فوافق ذلك مالاً عندي، قلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يومًا. فجئت بنصف مالي فقال رسول الله : مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلتُ ـ أي عمر: لا أسبقه في شيء أبدًا.ومن هؤلاء أبو الدحداح هو الصحابي الجليل ثابت بن الدحداح ـ رضي الله تعالى عنه ـ المكنى بـ (أبو الدحداح) صاحب أكبر نخلة في الجنة, ينعم بها هو وزوجتؤئئئئه وأبناءه ليتحقق فيه قول الله تعالى في سورة (يس).(انّ أصحاب الجنة اليوم في شغُلٍ فاكهون، هم وأزواجهُمْ في ظلالٍ على الأرائك مُتّكئون، لهم فيها فاكهةٌ ولهمْ ما يدّعون، سلامٌ قولاً من ربٍّ رحيم).لقد كان لهذا الصحابي الجليل الفذ بستانٌ يحوي ستمائة نخلة مثمرة من أجود تمور المدينة على الاطلاق باعها لله عزوجل بنخلة واحدة في الجنة, الذي باع عرض الدنيا كله بنخلة ضمنها له النبي (صلى الله عليه وسلم), وعندما أخبر زوجته ببيع بستانه لله عزوجل فرحت فرحاً شديداً وقالت له: لقد ربح البيع يا أبو الدحداح, لقد ربح البيع يا أبو الدحداح, لقد ربح البيع يا أبو الدحداح, فكم من نساء مثل أم الدحداح يحتاج المسلمون اليوم؟ وكم من رجل كأبو الدحداح يحتاج المسلمون اليوم؟.روي:أنه كان هناك في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم) غلاماً يتيماً الأنصار, وكان له بستان ملاصق لبستان رجل, فأراد الغلام أن يبني جداراً يفصل بستانه عن بستان صاحبه, فلما بدأ ببناء هذا الجدار اعترضته نخلة في وسط هذا الجدار, فذهب إلى صاحبه يستأذنه بأن يعطيه هذه النخلة وقال : يا أخي عندك نخل كثير في بستانك فلا يضرك أن تعطيني هذه النخلة التي اعترضت جداري إذا هي من نصيبك لو كانت من نصيبي لأقمت الجدار وأدخلتها فيه لكن المشكلة أنها من نصيبك ولا يستقيم الجدار حتى أدخلها في نصيبي، فقال: صاحبه لا ولله لا أعطيك النخلة ،فقال: يا أخي ما يضرك أعطني النخلة أو بعني أيها، قال: لا والله ما أفعل شيئاً من ذلك، قال: يعني ما أقيم جداري، قال: ذلك أمر إليك وليس إلي فذهب هذا اليتيم إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله! ان بستاني بجانب بستان فلان وأني أردت أن أبني جداراً في وسط البستان فاعترضتني نخلة لا يستقيم الجدار إلا إذا أدخلتها في نصيبي لكنها يا رسول الله من نصيب صاحبي وقد سألته أن يعطيني إياها فأبى علي يا رسول الله يا رسول الله فاشفع لي عنده أن يعطيني النخلة، فقال (صلى الله عليه وسلم) بما معناه: أدعوه إلي فذهب اليتيم إلى صاحب، فقال: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يدعوك فلما جاء حتى مثل بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ألتفت إليه (صلى الله عليه وسلم) وقال بما معناه قد كان بستانك بجانب بستان صاحبك وأراد هذا اليتيم أن يبني جداراً بفصل بستانه عن بستانك فاعترضته نخلة هي من نصيبك، قال: نعم. قال بما معناه: فأعطِ هذه النخلة لأخيك، ولما أبى الرجل الحاح النبي (صلى الله عليه وسلم) له باعطائه النخلة أو بيعها له ولثلاث مرات, قال له (عليه الصلاة والسلام): (أعطه النخلة ولك بها نخلة في الجنة فقال الرجل البخيل في الثالثة: لا بعد ذلك سكت رسول الله (صلى الله عليه وسلم), وسكت الصحابة رضوان الله تعالى عنهم الا أحدهم يدعى أبو الدحداح ـ رضي الله تعالى عنه ـ لما رأى هذا العرض نخلة دنيوية زائلة مقابل نخلة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام. لم يصبر ـ رضي الله عنه ـ على ما سمع ما نطق به فم الحبيب الشريف الا أن قال: يا رسول الله! أرأيت أن شريت نخلة هذا ثم أعطيتها لفلان يكون عندي نخلة في الجنة، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): نعم يكون عندك نخلة في الجنة. بدأ فيهذه الفرصة الذهبية بدأ عقل أبو الدحداح يفكر: ماذا عندي من الأموال أستطيع أن أغري بها صاحب النخلة لاستخرجها منه إلى ملكه ثم أعطيها لذلك اليتيم؟ فتذكر أن له بستان يتمناه أكثر تجار أهل المدينة بستان فيه 600 نخلة وبئر وبيت, فقال ـ رضي الله عنه ـ لصاحب النخلة أتعرف بستاني الذي في المكان الفلاني؟ بستان كامل يحوب ستمائة نخلة مثمرة؟ قال الرجل: نعم أعرفه وهل أحد في المدينة يجهل بستانك المثمر بتمره الطيب؟ قال ـ رضي الله تعالى عنه: يا فلان! أتأخذ بستاني كله بما فيه من بئر وبيت وشجر وتعطني هذه النخلة. لكن الرجل نظر إلى أبي الدحداح ـ رضي الله عنه ـ وهو ليس مصدقا ما تسمع أذناه, ثم ألتفت على الصحابة ـ رضوان الله تعالى ـ والذين يشهدون على هذا البيع، فقال:نعم أخذت البستان وأعطيتك النخلة فالتفت أبو الدحداح رضي الله تعالى عنه إلى اليتيم ثم قال : يا فلان ! هذه النخلة مني إليك خذها هبة مني اليك لوجه الله العظيمثم ألتفت أبو الدحداح إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله! الآن أصبح عندي نخلة في الجنة؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة أي: كم من عذق رداح: مليء بالثمر لأبي الدحداح في الجنة، يقول أنس بن مالك ـ رضي الله تعالى عنه ـ راوي الحديث: ما قالها مرة ولا مرتين ولا ثلاث, مازال (صلى الله عليه وسلم) يكررها: كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة .. حتى خرج أبو الدحداح ـ رضي الله عنه.أبو الدحداح ـ رضي الله تعالى عنه ـ وبعدما تم البيع ذهب إلى البستان ليخرج بعض أغراضه منه .. فلما حرك باب البستان ليدخل فإذا بصوت زوجته وأولاده يلعبون داخل البستان أراد أن يفتح الباب ليدخل ما تحملت نفسه وهو يدخل اليهم لم يعد البستان لنا, لم يعد عندنا بستان هذا البستان الذي جمعنا له من الأموال سنين عديدة حتى اشتريناه, أو حتى يبقى لأولادنا من بعدنا, الآن يذهب عنا بطرفة عين , لم يتحمل أن يُخرج أولاده من هذه السعة إلى الضيق ).. حرك الباب .. حرك الباب ما استطاع أن يدخل فصاح بأعلى صوته وهو خارج البستان يا أم الدحداح! فردّت رضي الله تعالى عنها عليه: لبيك يا أبا الدحداح قال : أخرجي من البستان, لقد بعته . فتعجبت قوله وقالت: أبعت البستان يا أبا الدحداح! بعته لمن؟! قال: بعته لربي بنخلة في الجنة. فقالت بصوت المرأة المؤمنة الصابرة القانتة: الله أكبر .. ربح البيع يا أبا الدحداح .. ربح البيع يا أبا الدحداح ..ربح البيع يا أبا الدحداح , لا تدخل لا تدخل ثم أخذت أطفالها تخرجهم من البستان, ولما وصلوا إلى بابه أوقفتهم ـ رضي الله عنها ـ ثم فتشت جيوبهم وما كان معهم من شيء من الثمر الا أخرجته ثم وضعته في البستان وقالت : هذا ليس لنا هذا لله رب العالمين.الله أكبر يا أم الدحداح! من أي نوع من النساء أنت؟ وكم أمثالك نحتاج من نساء المسلمين اليوم .. انها مثال يجب أن تحتذب به كل امرأة مسلمة تبحث عن جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.حتى أنّ أحد أطفالها الصغار كان جائعاً, وكان قد أخذ تمرة ووضعها في فمه يأكلها وهو خارج من البستان, فأوقفته ـ رضي الله عنها ـ ثم فتحت فمه وأخرجت هذه التمرة من فمه, ووضعتها ثم قالت: هذا ليس لنا هذا لله رب العالمين. انه الايمان في أروع صورة, نعم لقد جسدّت هذه الصحابية الجليلة صورة المرأة المسلمة الحقة, والتي تحقق فيها قول النبي (صلى الله عليه وسلم) بما معناه:(خير متاع الدنيا المرأة الصالحة إذا أمرتها أطاعتك وإذا نظرت اليها سرتك وإن غبت عنها حفظتك في عرضك ومالك).نكتفي بذكر هذا من النماذج والله نساله ان يجعلنا من أهل الخير الفاعلين له.* إمام وخطيب جامع محمد الأمين