إسحاق ويعقوب ـ عليهما السلام
وضعت السيدة سارة طفلاً رائع الحسن يشبه أبيه إبراهيم ـ عليه السلام ـ سجد النبي شكراً لله على نعمته وحمل إسحاق وقبله ثم أعاده إلى أمه.
هتفت سارة من قلبها: الحمد لك والشكر لك يا رب.
شب إسحاق وأصبح غلاماً ذكياً مطيعاً لوالديه وكثيراً ما كان يصطحبه أبوه في نزهات ممتعة كي يريه مخلوقات الله وآياته ومعجزاته في الكون .. أحس إسحاق بمتعة كبيرة وهو يرى الطيور تحلق في الجو والجبال الشامخة وكأنها تلامس السحاب وأدرك أن الإنسان مخلوق صغير جداً في الكون الواسع فسجد لله خالق الكون ومبدعه.
وتعجب إسحاق بشدة عندما رأى كثيرا من قومه ينحتون أحجاراً من الجبال فتصير تماثيل مختلفة الأشكال ثم يسجدون لها ويطلقون عليها آلهة.
قص إبراهيم ـ عليه السلام ـ على ابنه قصة الأصنام التي حطمها والنار التي نجاه الله منها وأمره أن يدعو الناس إلى الإيمان بالله ويعلمهم أمور دينهم.
حمل إسحاق رسالة أبيه وانطلق يعلم الناس شعائر الدين من صلاة وصيام وزكاة وحج.
وتزوج نبي الله إسحاق ـ عليه السلام ـ من فتاة ذات أدب وحسن وهي رفقة ابنة عمه .. فرحت رفقة لأنها تزوجت النبي إسحاق ابن النبي إبراهيم ـ عليهما السلام ـ وازدادت فرحتهما حين رزقهما الله بولدين هما (العيص ويعقوب) .. نشأ يعقوب محباً لوالديه مطيعاً لهما، أما العيص فكان دائم الشجار مع أخيه وسيئ الأخلاق واستطاع الشيطان أن يوسوس إليه ويوهمه أن والديه يكرهانه ويفضلان أخيه يعقوب عليه.
لم يقف الشيطان عند هذا الحد بل أوقع بين العيص وأخيه يعقوب وأشعل نار الكراهية بينهما.
مرت الأيام وكلما كبر الأخوان ازدادت كراهية العيص لأخيه يعقوب ولما تقدم العمر بنبي الله إسحاق ـ عليه السلام ـ وضعفت صحته أصابه قلق رهيب وخشي أن يعتدي العيص على أخيه يعقوب لأن الشيطان زرع الكراهية في قلبه منذ الصغر.
ازداد إسحاق ـ عليه السلام ـ همّاً وغماً واستغرق في تفكير طويل وأخيراً هداه الله إلى حل صائب فقال لابنه يعقوب: كبرت سني يا بني وضعفت صحتي وإنني أخاف عليك من الإقامة هنا .. لذلك لابد أن ترحل حالاً.
تساءل يعقوب متعجباً: كيف أرحل وأترك أهلي يا أبي؟!.
قال إسحاق ـ عليه السلام: إنني حزين لفراقك يا بني لكنني لا آمن غدر أخيك العيص لأن الشيطان خدعه وملأ قلبه بكراهيتك وحرضه على إيذائك وربما يدفعه إلى القضاء عليك.
تساءل يعقوب: ألا يوجد حل آخر يا أبي؟.
قال إسحاق:لا يا بني .. استمع إليّ جيداً.. إنك ما زلت شاباً قوياً .. اذهب إلى خالك لابان وأقم عنده وتزوج إحدى بناته .. وهناك تستطيع أن تدعو الناس إلى الإيمان بالله وتعلمهم الصلاة وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر ولا تعد مرة أخرى إلا عندما يأذن الله بذلك.
جهز نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ راحلته وحمل زاده من الطعام والشراب والغطاء ثم ودع والديه ورحل إلى أرض حوران حيث بيت خاله لابان.
قطع يعقوب ـ عليه السلام ـ أميالاً كثيرة في الصحراء فوق الرمال الساخنة وتحت أشعة الشمس الملتهبة وكان حزيناً منكسر الفؤاد لفراق أهله.
لاقى يعقوب ـ عليه السلام ـ مشقة كبيرة في سفره تغلب عليها بصبره وعزيمته، وأخيرا وصل إلى أرض حوران.
كانت فرحة لابان كبيرة عندما وقعت عيناه على يعقوب واحتضنه بشوق وقال: مرحبا بابن أختي رفقة .. مرحبا بابني الحبيب.
وأعد الرجل وليمة عظيمة للنبي وهيأ له فراشاً وثيراً مريحاً وبعد أن فرغ يعقوب من تناول طعامه وارتاح من مشقة السفر سأله خاله عن أحوال أهله فطمأنه عليهم وأخبره بوصية أبيه إسحاق ـ عليه السلام.
ابتسم لابان وقال: لن أجد زوجاً لابنتي خيراً منك.
قال يعقوب: بارك الله فيك يا خالي العطوف.
وأسرع الشيخ لابان إلى ابنته الكبرى ليا وأخبرها بوصية النبي إسحاق ـ عليه السلام.
نظرت ليا إلى الأرض خجلاً وقالت: كما تريد يا أبي.
عاد الشيخ لابان إلى يعقوب ـ عليه السلام وقال له: ستتزوج ابنتي الكبرى ليا.
تساءل يعقوب: ماذا تريد مهراً لابنتك؟.
قال الشيخ: أن تقيم معي سبع سنوات ترعى خلالها أغنامي وتساعدني في أعمالي.
وتزوج نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ ليا ابنة خاله لابان واطمأنت نفسه بعد أرضى ربه ونفذ وصية أبيه.
أشرقت شمس أول يوم من السنوات السبع وغمرت الكون بضوء ودفء.
استيقظ يعقوب ـ عليه السلام ـ من نومه وسبّح ربه ثم أيقظ أهله واجتمعوا حول مائدة الطعام وتناولوا فطورهم.
ودع نبي الله يعقوب ـ عليه السلام ـ زوجته وخاله ثم انطلق إلى المرعى .. جلس يعقوب ـ عليه السلام ـ تحت شجرة وأخذ يراقب الأغنام حتى لا تضيع أو تتوه عن المرعى.
مر النهار واستعدت الشمس للرحيل واستعدت الأرض لاستقبال الليل فسحب يعقوب ـ عليه السلام ـ قطيع الأغنام وعاد إلى بيت خاله.
واستمر يعقوب في رعاية شئون خاله وأعجب أهل حوران بأخلاقه وأحبوه لأنه كان يكرم الضيف ويعين المحتاج وينصر المظلوم ويعود المريض.
مرت الأيام وأنجبت ليا زوجة يعقوب ـ عليه السلام ـ طفلا أسمته (روبيل).
وبعد عدة سنوات أصبح ليعقوب خمسة أبناء آخرون هم:(شمعون ولاوي ويهوذا وإيساخر وزابلون).
أحبت ليا زوجها وتعلقت به وأرادت أن تكافأه على حبه الشديد وإخلاصه لها فزوجته جاريتها زلفى فأنجبت ولدين هما (بحاد وأشير).
مرت الأيام وأصيبت ليا ببعض المرض ولزمت فراشها .. حزن يعقوب وأصابه غم شديد حين رحلت ليا وتركت أولادها صغاراً ضعافاً لا أم لهم ترعاهم.
اشتد حزن يعقوب ـ عليه السلام ـ على زوجته وأولاده ولم يجد خيراً من ابنة خاله راحيل كأم لأطفاله.
تزوج النبي من راحيل بعد أن اتفق مع خاله أن يخدمه سبع سنوات أخرى .. دعت راحيل ربها وطلبت منه أن يرزقها طفلاً فاستجاب الله دعاءها وأنجبت طفلاً رائع الحسن أسمته (يوسف).
استمر يعقوب ـ عليه السلام ـ في رعاية خاله لابان ولما انتهت السنوات السبع أمره الله تعالى بالعودة إلى أهله في أرض كنعان.
ودع يعقوب ـ عليه السلام ـ خاله لابان واصطحب أسرته الكبيرة ورحل إلى فلسطين مشتاقاً إلى رؤية أهله.

ناصر عبد الفتاح