اعداد ـ هلال اللواتي:
لقد سبق وان تحدثنا عن عنصر إثبات صدور القرآن الكريم من الله تبارك وتعالى، وقد كان الكلام في القسم الاول وهو الدليل العقلي من العنصر الاول وهو اثبات الصدور، وكان مما تضمنه الدليل العقلي هو الاعجاز العلمي، وذكرنا ثلاثة أمثلة على ذلك دليلاً على ان القرآن الكريم لم ينزل الا من الله تبارك وتعالى، لانه حوى اموراً لم يتقدم بها احد من الحضارات والامم السابقة على معرفتها من اصل، بل لما ان تقدمت العلوم وخاصة في القرنين الاخيرين بدأت معالم الطبيعة تتضح للانسان، وبدا الانسان يعرف اسرار الطبيعة، وكيفية تكون ظواهرها.
وفي هذه الحلقة باذن الله تعالى سوف نتحدث عن امثلة أخرى مع ذكر القسم الثاني من العنصر الاول من عناصر اثبات الصدور.
والمثال الرابع: السنن الالهية في الوجود، حيث ان السنن الالهية يمكن تقسميها الى ثلاثة اقسام: القسم الاول: السنن الالهية الطبيعية، وهي تتعلق بعالم الطبيعة وعالم المادة، والقسم الثاني: السنن الالهية الاجتماعية التاريخية، حيث تتعلق هذه السنن بسلوك الانسان وبطبيعة حركة وسير المجتمعات الانسانية، والقسم الثالث: السنن التكوينية الغيبية، وهي عبارة عن القانون الحاكم على الطبيعة والحياة الاجتماعية، ويرتبط في روحه بسلوك الانسان على وجه الخصوص.
ومع النظر إلى هذه السنن بقسميها (الثاني والثالث) بالخصوص سنجدها لم تكن معروفة الامم السابقة، ولقد افاد الاستاذ الدكتور محمد أمحزون في ورقة عمله تحت عنوان:(الاعجاز السنني في القرآن الكريم)، في المؤتمر العالمي الثامن للاعجاز العلمي في القرآن والسنة، فقال:(ووجه الاعجاز في هذا الجانب: أن المفهوم القراني للسنن الاجتماعية يعتبر فتحاً عظيماً للقرآن الكريم، لانه اول كتاب عرفه الانسان أكد على وجود علاقة وروابط بين الاسباب والمسببات، والمقدمات والنتائج، التي تعد في الحقيقة تعبيراً عن حكمة الله تعالى، وحسن تقديره وبنائه التكويني للساحة التاريخية والاجتماعية، بينما كان الانسان قديما يخضع للنظرة العفوية أو النظرية الخرافية الاستسلامية في تفسير الاحداث التاريخية وحركة المجتمع بوصفها كومة متراكمة من الاحداث والوقائع فيفسرها تارة على اساس الصدفة، وتارة على اساس القضاء والقدر بدون ادراك مغزاها الحقيقي، وبدون التمييز بين امر الله القدري الكوني وامره القدري الشرعي، كما ان التفسير اللاهوتي الكنسي للتاريخ والمجتمع يتناول الحادثة نفسها ويربطها بارادة الله سبحانه وتعالى قاطعا صلتها بقانون الاسباب .. وهكذا لاول مرة في التاريخ الانساني نبه القرآن الكريم العقل البشري الى ان حركة اي مجتمع محكومة بسنن ثابتة وشاملة ومطردة) ـ انتهى كلامه.
.. للحديت تتمة.