الصوم في لغة العرب معناه: الإمساك طلقاً، ومنه قوله تعالى على لسان السيدة مريم ـ عليها السلام:)إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً)، ومنه قول العرب: صامت السماء إذا أمسكت عن المطر، وصامت الريح إذا أمسكت عن الهبوب، وصامت الخيل إذا أمسكت عن الكر والفر، أما في الشرع فيعرف بأنه إمساك المكلف وهو المسلم العاقل البالغ القادر المقيم عن الطعام والشراب والجماع والمحرمات بنية مع العلم بكونه صائماً، وذلك من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس لقوله تعالى: (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل)، ويقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم):(إذا أدبر النهار من ها هنا ـ وأشار إلى جهة الشرق ـ وأقبل الليل من ها هنا ـ وأشار إلى جهة الغرب ـ أفطر الصائم)، زاد من زاد من العلماء بقصد الإيضاح: أكل أولم يأكل. وعليه فإن الصوم المشروع: هو إمساك مخصوص من شخص مخصوص بنية مخصوصة في زمن مخصوص، وعلى هذا التعريف فإن الصوم المعتدّ به من حيث الأجر والثواب لا يتحقق بالإمساك عن الأكل والشرب والجماع فحسب، بل لا بد بجانب ذلك الإمساك عن المعاصي لا سيما الكبائر منها، يقول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي رواه الإمام الربيع ـ رحمه الله:(لا إيمان لمن لا صلاة له وصلاة لمن لا وضوء له ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله)، ويقول ـ عليه الصلاة والسلام:(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، ويقول (صلى الله عليه وسلم):(الغيبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم). إن الصوم عبادة قديمة فرضها الله على الأمم الماضية في الشرائع السماوية السابقة، كما فرضت علينا نحن المسلمين وذلك لأن الإنسانية كلها محتاجة إلى الصوم لما له من آثار حسنة ومنافع جمة وفوائد عظيمة وحكم جليلة، فهو يضبط النفس ويقي الإنسان من شر الدنيا وعذاب الآخرة، لقد شرع الله تعالى الصوم تهذيباً للنفس وتزكية للأخلاق وتقويماً للسلوك والطباع وغذاءً للأرواح وصحة للأبدان وعافية للأجساد ووقاية من النار وفوزاً بالجنان.الصوم عبادة سرية بين العبد وخالقه سبحانه، ثمرته كأي عبادة (التقوى)، والتقوى وقاية للفرد والمجتمع، إذ الصوم يقي الفرد من أن يكون حيواناً يعمل بشريعة الغاب، ويقي المجتمع من المفاسد والشرور؛ وذلك بتهيئة وإعداد الفرد الصالح العامل النافع. إن ثمرة الصوم دنيوية وأخروية؛ فالأخروية تتمثل في غفران الذنوب وتكفير الخطايا، ومحو السيئات ورفع الدرجات ومضاعفة الحسنات وزيادة الأجر والثواب، من أدى في رمضان فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة في غير رمضان من حيث الثواب، ومن أدى فيه نافلة كان كمن أدى فريضة في غيره من حيث الثواب. إن الصوم وقاية من النار، وسبب لنيل رحمة الله تعالى والفوز بالجنة، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً إلى النبي (صلى الله عليه وسلم):(من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ولو علمتم ما في فضل رمضان لتمنيتم أن يكون سنة)، أما الثمرة الدنيوية فتتمثل في كسر شهوة النفس وكبح جماحها، وتقويم الطباع والسلوك، وتهذيب الأخلاق والآداب وتقوية الإرادة وتعويد النفس على الصبر والاعتدال والإحساس بألم الفقراء والمحتاجين، فالصوم بهذه المعاني السامية، والحكم الجليلة، أعظم مرب لإرادة المسلم وكابح لجماح هواه، فهو مانع من الوقوع في المعاصي والآثام، وواق من الإصابة بالأمراض والأسقام الناشئة من المحرمات، والناتجة من الإفراط في تناول الملذات، وعلى هذا فإن الصوم يولد في نفس الصائم شحنة إيمانية، وطاقة روحية تدفعه إلى مزيد من المحاسبة والاستعداد للقاء الله تعالى، وتعينه إلى مزيد من العمل والعطاء، وستظل آثار الصوم في نفس المؤمن حية موجهة إلى الخير والبر والعطاء والتنافس الشريف، وستبقى نتائجه قوة محركة تدفع من صبر إلى صبر، وتقود من نصر إلى نصر، تنير لصاحبها الطريق، فيتجنب مزالق الحياة وأخطارها، وتأخذ بيده إلى الجادة، وإلى سواء الصراط، فيجني ثمارها، ويحصد منافعها، فينعم بالطمأنينة والسكينة، ويشعر بالأمن والأمان في الدنيا، ويفوز بالسعادة الأبدية في العقبى. يوسف بن إبراهيم السرحني خبير بوزارة التعليم العالي