أحمد محمد خشبة *
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان علمه البيان وجعل اللسان مع القلب دليلاً على عقل الإنسان . وصلى الله وسلم على خير من قال ومن علم محمد )صلى الله عليه وسلم(، وبعد .. فإنه لا توجد مهمة أعلى وأفضل وأهم وأخطر من مهمة الدعاة إلى دين الله. ذلك أنهم يحملون هم نشر الدين وتبليغه وتذكير الناس به، فقولهم هو أحسن قول، (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين)، (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، (وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظٍ عظيم).
وسوف نقدم خلال الشهر المبارك سلسلة حول الخطــابــة وفـــن الإلقـــاء، أسأل الله جل في علاه أن تكون عونا ونافعة لكل سالكي طريق الدعوة .. والله الموفق.
* تعريف الخطابة:
الخطابة مصدر فعله خطب من باب رمى رمياً ورماية، وهو فعل يتعدى بنفسه أو بحرف الجر، قال الجوهري: خطبت على المنبر خطبة بضم الخاء وخطابة ويقال: فلان خطيب القوم إذا كان هو المتكلم عنهم والجمع خطباء.
قال ابن منظور في لسان العرب : والخطبة مثل الرسالة التي لها أول وآخر، وإنما الخطبة بالكسر فهي طلب المرأة للزواج، وفي الحديث الشريف: نهى الرسول صلى الله عليه وسلم (أن يخطب الرجل على خطبة أخيه) ـ )لسان العرب لإبن منظور ومختار الصحاح .. مادة خط، هذا من ناحية اللغة(.
أما تعريف الخطابة في الاصطلاح، فإن للعلماء مجموعة من التعريفات منها:
ـ تعريف (أرسطو) الخطابة هي: القدرة على النظر في كل ما يوصل إلى الاقناع في مسألة من المسائل. (كتاب الخطابة لأرسطو ـ ص 90).
ـ ويقول (إبن رشد) الخطابة هي: قوة تتكلف الاقناع الممكن في كل واحد من الأشياء المفردة. (كتاب تلخيص الخطابة ـ ص 15).
ـ ويقول عميم الاحسان المجددي: هي كلام منثور مؤلف يخاطب به الفرد الجماعة قصد الإقناع. (قواعد الفقه للمجددي).
ـ وهناك تعريف إرتضاه كثير من العلماء في العصر الحديث للخطابة وهوأن علم الخطابة: أصول وقواعد ترشد الإنسان إلى فن مخاطبة الجماهير بطريقة إلقائية تشتمل على الإقناع والإستمالة. (كتاب الخطابة ـ إعداد الخطيب للدكتور عبدالجليل شلبي ـ ص 13).
والتعريف الذي نختاره هو التعريف الأخير ، وذلك لأنه يشتمل على أهم العناصر التي
يمكنها أن تختص بالخطابة دون غيرها من سائر فنون الأدب. واهم العناصر هي الاقناع والاستمالة.
وهذا التعريف اشتمل على العناصر التالية:
ـ إن الخطابة فن بمعنى علم له أصول وقواعد ، بل إنه علم من أهم العلوم التي تعتمد عليها الأمم كثيرا في الداخل والخارج في السلم والحرب في الاقتصاد والسياسة والاجتماع وكافة مناحي الحياة.
وقد تسمى هذا العلم بعدة أسماء منها فن الإعلام إلى الغزو الثقافي إلى الحرب النفسية إلى علم الدعاية والتأثير.
والخطابة علم وفن يعتمد على أسس وعلى قواعد معينة من المعرفة والدراسة والتجربة والدربة فالخطابة كما يقال:(دربة وكثرة محفوظ). وهذا التدريب والإعداد على الأسس والقواعد يستلزم وجود الخطيب الذي هو المقصود بهذه الدراسة والتدريب، ليستغل ذلك في تقديم فكرته وما يريد توجيهه للجمهور من حوله بما يخدم فكرته وبما يوافق مقتضى الحال. وهذا هو الفن المطلوب استخدامه والبراعة فيه. مؤيدا كل ذلك بالحجج والبراهين والأدلة على صدق داعوه فيما يقصد ويريد.
ـ لابد في الخطابة من جمهور يقصده الخطيب يحاول إقناعه، فبدون الجمهور لا خطيب ولا خطبه، فمن يحادث فردا لا يسمى خطيبا ولا تسمى تلك المحادثة خطبة، ولا يحتاج إلى لهجة خطابية أو إلقائية.
ـ تكون الخطابة بطريقة إلقائية، ومعنى هذا أن يكون الخطيب على هيئة معينة في الحديث من جهارة الصوت واختلاف نبراته واتباع الأساليب البلاغية والاقناعية مع ما يصاحبه من الانفعال والإشارات باليد إلى غير ذلك من لوازم الإلقاء الاقناعي والتأثيري.
ـ أن يكون الكلام مقنعا يشتمل على حجج وبراهين وأدلة يستطيع بها الخطيب أن يبرهن على صحة دعواه أما إذا خلت الخطبة من عنصر الإقناع فإنها لا تعدو أن تكون مجرد إبداء رأي شخصي أو صياح وتهريج لايؤدي لشئ.
فمن المعروف أن كثيراً من الناس يقتنعون بأشياء في قرارة أنفسهم ولكن لا تسيرهم هذه القناعة نحو التنفيذ.
فقد يتكلم معك أحد المدخنين عن أضرار التدخين ربما أفضل من أي أحد آخر، ولكن هذه القناعة شئ والتنفيذ شئ آخر.
إنه يحتاج إلى قوة تأثيرية معينة ترفعه إلى الأقدام والصمود ومغالبة العادة والإغراء الذي يوقعه في الباطل.
* نشأة الخطابة (لمحة تاريخية)
الإنسان مدني بطبعه هكذا قرر علماء الاجتماع الإنساني والخطابة نشأت مع وجود التجمعات الإنسانية لأن هذه التجمعات تحتاج إلى التوجيه والإرشاد والقيادة للسير في هذه الحياة مما استلزم وجود طريقة لإلقاء هذه الإرشادات والتوجيهات استخدمها قادة هذه التجمعات الإنسانية الأولى.
ورسل الله الذين أرسلهم الله لهداية البشر وإرشادهم وتوجيههم استخدموا الخطابة في قومهم واستمروا في تبشير قومهم وإنذارهم لياخذوا بايديهم إلى طريق الهداية ليفوزوا بالسعادة في الدارين ، ولهذا بعثوا ومعهم الحجة والحكمة وصدق الله العظيم (وتلك حجتنا ءاتيناها ابراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم) (الأنعام ـ 38).

ومن هنا نجد المبرر لدعاء موسى ـ عليه السلام ـ وطلبه من ربه عز وجل أن يشرح له صدره وأن ييسر له أمر الفصاحة حتى يستطيع أن يخاطب ويخطب في قومه (رب اشرح لى صدري ويسر لى أمري واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي) (طه ـ 25).
ومحمد (صلى الله عليه وسلم) كان أول بلاغه لقومه أن وقف فيهم وخطب من أعلى جبل أبي قبيس ونادى عليهم: يابني زهرة يابني مرة يابني مخزوم (تعلمون أن الرائد لا يكذب اهله، لو أخبرتكم أن خيلا خلف هذا الوادي تريد أن تغير عليكم؟! أكنتم مصدقي؟! قالوا نعم فلم نجرب عليك كذباً قط. قال (صلى الله عليه وسلم): فإني نذير لكم بين يدي عذاب أليم)،
وهكذا بدأ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دعوته لقومه بخطبة دعا فيها قومه إلى دين الله.
وهكذا كل الأنبياء من قبل آتاهم الله الحكمة وفصل الخطاب وتاريخ الأنبياء ـ عليهم السلام ـ في الكلمة والتبليغ مدون في القرآن الكريم والسنة النبوية.
لكن الخطابة كما أسلفنا قديمة قدم الانسانية فقد عرفها اليونانيون القدماء بل إن الباحثين يرجعون نشأة علم الخطابة كعلم وفن إلى اليونان، فهم أول من دون علم الخطابة وجعل له أصولاً وقواعد.
ويعد كتاب ارسطو (الخطابة) أول كتاب يجمع قواعد الخطابة بل إنه وحتى عصور ماضية قريبة كان يعد المرجع الأول في الخطابة.
وبعد اليونان جاء عصر الرومان الذي نشطت فيه الخطابة نشاطها في العصراليوناني وبلغت شأواً بعيداً.
.. يتبع.

* إمام وخطيب جامع ذو النورين
[email protected]