إعداد ـ مبارك بن عبدالله العامري:
شهر رمضان هو فرصة لتجنب الشهوات، إلا أن بعض المسلمين قد درج على تحويل رمضان إلى شهر أكل ما لذّ وطاب، نستهلك خلاله أضعاف ما نستهلكه في الشهور الأخرى، فنبدأ بالاستعداد له من بدايات شهر شعبان، كما تتصاعد شراء الناس إلى ذروتها إلى نهاية شعبان تدفع الناس دفعًا للإسراف في شراء الطعام والشراب ويصبح رب الأسرة تحت ضغط نفسي عنيف ومن المعلوم أن الاعتدال في أمر الطعام والشراب هو المقصد الذي ذهبت الآية الكريمة:(وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، ففي هذه الآية دعوة للإنسان إلى الطعام والشراب، وقال الله تعالى:(إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوٰنَ ٱلشَّيَـٰطِينِ) وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(كلوا واشربوا، وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف ولا مخيلة)، وعن المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) ومنافع تقليل الطعام بالنسبة إلى القلب وصلاحه فإن قلة الغذاء توجب رقة القلب، وقوة الفهم، وانكسار النفس، وضعف الهوى والغضب، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك وقال محمد بن واسع: من قلّ طعامه فهم وأفهم، وصفا ورقَّ، وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد قال عزوجل:(وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ) عادة ما يتبادل الأزواج فيما بينهم الاتهامات بالمسئولية عن الإسراف والتبذير الذي يرافق الكثير من موائد الإفطار خلال شهر رمضان المبارك حيث يلقي الزوج باللائمة على الزوجة التي تقع مسؤولية إعداد "السفرة" والمائدة عليها بالدرجة الأولى، فيما تحمّل الزوجة الوزر على الزوج، الذي يطلب منها أن تملأ المائدة بمختلف أصناف الطعام والشراب والحلويات وغيرها، وبين هذا الاتهام وذاك، تتزايد مشكلة (الإسراف) على موائد رمضان، في وقت تكون فيه الأسرة أحوج ما يكون إلى الاقتصاد والترشيد والإحساس بالآخرين من الفقراء والمساكين.قال الله تعالى:(كُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِين).
وعن المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه) وقال المبارك فوري:(جعل البطن أولاً وعاءً كالأوعية التي تتخذ ظروفاً لحوائج البيت توهيناً لشأنه، ثم جعله شر الأوعية؛ لأنها استعملت فيما هي له، والبطن خلق لأن يتقوّم به الصلب بالطعام، وامتلاؤه يفضي إلى الفساد في الدين والدنيا، فيكون شراً منها) وقال محمد بن واسع:(من قلّ طعامه فهم وأفهم، وصفا ورقَّ، وإن كثرة الطعام ليثقل صاحبه عن كثير مما يريد)، وقال عمرو بن قيس: (إياكم والبطنة فإنها تقسِّي القلب)، وسئل ابن عثيمين عن الإفراط في إعداد الأطعمة للإفطار هل يقلّل من ثواب الصوم؟ فأجاب: لا يقلل من ثواب الصيام، والفعل المحرم بعد انتهاء الصوم لا يقلل من ثوابه، ولكن ذلك يدخل في قوله تعالى:(وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ) فالإسراف نفسه محظور، والاقتصاد نصف المعيشة، وإذا كان لديهم فضل فليتصدقوا به فإنه أفضل.
يا أيها الصائم: إياك إياك والإسراف، إن في المسلمين فقراء ومساكين ومحتاجين ففطر عباد الله بما زاد على حاجتك لتكون لك ذخرا عند الله عز وجل، قال سبحانه عن عباده الصالحين:(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً، إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) (الإنسان 8 ـ 10)، وقد صح عنه (عليه الصلاة والسلام) أنه قال:(يقول عز وجل يوم القيامة: يا ابن آدم استطعمتك ولم تطعمني قال وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا استطعمك فما أطعمته، أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي..) ـ الحديث رواه مسلم.
ومن صور الإسراف: إدمان التسلية والترفيه في اللعب من كرة وتمارين رياضية، وتنزهات ونحوها على حساب وقت الجد والعبادة والذكر والتلاوة وتحصيل العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى إن بعض الناس يدفع الوقت دفعا عجيبا وينفقه بيد التبذير وغدا سيعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور أي شيء فعل ولعل صور الإسراف عند كثير من الناس متعددة قوم أسرفوا في المعاصي والذنوب، فإسرافهم أخطر إسراف وأسوأ تبذير، وقوم أسرفوا في الوقت فنثروه شذر مذر وهم من أعظم الناس حسرة يوم العرض الأكبر وفي هذا الشأن يقول عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، وتهيأوا للعرض الأكبر كما يجب على المسلم أن يتذكر الفقراء والمساكين والمجاهدين والوقوف أمام الله للمحاسبة الأخروية ليس في رمضان فحسب، بل في كل الأوقات فالمحاسبة والمراقبة الذاتية الدائمة والمستمرة تجعل الفرد المسلم الصائم حازمًا مع نفسه يكبح هواها ويفطمهاعن شهواتها ومطالبها، ويجعلها تسير في طريق الإسلام.
ويجب على الصائم الاقتداء بسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والصحابة من بعده في سلوكهم ونفقاتهم في شهر رمضان لاسيما من حيث الاقتصاد، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم):(ما ملأ ابن آدم وعاء شرًّا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن بها صلبه، فإن كان فاعلًا لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه) إذا طبق كل فرد في المجتمع الضوابط الإسلامية للنفقات والاستهلاك في رمضان، وإذا التزم بالطريق الإسلامي في علاج أمراض الإسراف والتبذير والترف ونحوها لأدى ذلك إلى آثار طيبه منها: الفوز برضا الله في الدنيا والآخرة وقبول الصوم والعبادات المختلفة التي يؤديها الفرد في رمضان، وتوفير على الأقل 50% من النفقات التي كانت تنفق على ما لا ينفع ويعارض أحيانًا شريعة الله، وتجنب الأسرة الوقوع في حمل ثقل الديون وحمايتها من مصايد الشيطان والكسب الحرام.
ختامًا: علينا نحن معشر المسلمين الصائمين أن نسير في طريق الاقتصاد في النفقات وننأى بأنفسنا عن السير في طريق الإسراف والتبذير المحفوف بالشياطين والمفسدين، وأن ندرك أن الغاية من الطعام والشراب هي التقوِّى على طاعة الله والفوز برضاه في الدنيا والآخرة، وليس ملء البطون والتفاخر ونسيان إخواننا من الفقراء والمساكين الذين لهم حقوق كثيرة علينا.