مجلس التعاون الخليجي والتكامل الاقتصادي..!

**
لا أكتب شيئاً جديداً عندما أستهل مقالي بعبارة أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في حاجة للتكامل الاقتصادي قبل أي شيء اخر، لان كل دولة من الدول الست تشكل عمقاً أخوياً واستراتيجيا لشقيقاتها، وهذه حقيقة ثابتة وراسخة، وحتى لو تباينت مواقف الدول الست سياسيا حيال قضية او أخرى، تبقى الاخوة قوية وباقية ووشائج القربي صلبة، ورغم طبيعة التحديات السابقة والمعاصرة التي تواجههادول المجلس منذ نشأته في مايو 1981 والتي تحدث هنا او هناك، فالشراكة ستبقى قوية واستراتيجية وللابد بفضل حكمة وقدرة قادة دول المجلس على حل خلافاتهم والحفاظ على العلاقات الاخوية في اطار البيت الواحد دون ضرر او ضرار للاخر.!
ان طبيعة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الجغرافية، وتشابه أنظمتها وظروفها الاقتصادية، وترابطها الاجتماعي، تمثل المقومات الضرورية لقيام مجلس التعاون واستمراره وصموده امام كل التحديات.
ومن هذا المنطلق، فالفترة الحالية والقادمة تتطلب مزيدا من التعاون والتعاضد والتكامل الاخوي وصولا إلى الغايات المرجوة لهذه الدول وشعوبها التي تتطلع وتنتظر من هذا المجلس الكثير على صعيد تحقيق الرفاهية والامان في كافة مجالات الحياة والاهداف المرجوة من انشائه.
جاء انشأ مجلس التعاون كمنظمة سياسية واقتصادية اجتماعية إقليمية، بحسب المبادئ والأهداف التي حددها نظامه الأساسي. واليوم وبعد ان استطاع المجلس الصمود ومواجهة التحديات التي أنشئ لمواجهتها والتي كانت في حينها تتطلب مواقف ورؤى خليجية موحدة وتنسيقا وتعاونا بين دوله الست ووقفة موحدة انذاك ، فان المجلس مطالب اليوم بالتصدي للازمة المالية والنفطية والاقتصادية ايضا المترتبة على انخفاض اسعار النفط من خلال تشكيل فرق عمل لمواجهة هذه المشكلات والصعوبات المتتالية التي تؤثر على مسيرة المجلس وعلى قدراته في المستقبل.
وخلال مسيرته الطويلة صادف مجلس التعاون عقبات كأداء كادت تؤثر في مسيرته وتعرقلها. ولكن بحكمة قادة دوله، استطاع المجلس العبور والوصول لاتفاقات وحلول في القضايا التي اوجدت التباين، واختلاف وجهات النظرحيال بعض القضايا والتطورات. الا ان الامور سارت في الاتجاه الصحيح بفضل القيادات الحكيمة التي كانت ولا تزال مؤمنة ومتمسكة بهذا المجلس وبالتالي انقذت تلك المنظومة ووفرت لها التماسك والديمومة وتجاوز كافة الاضطرابات التي مرت بها المنطقة في السنوات والعقود الاخيرة..
من هنا فاننا ندعو هذا المجلس بالانتقال من حالت الركود والبطء الراهنة الى حالة التكامل الاقتصادي والتجاري والانسجام السياسي فيما بينها. نحن في حاجة ماسة للتكامل والتعاون الاقتصادي القوي والفعال حتى لا يؤثر التاخير في هذا الاتجاه بالتحديد على مسيرته سلبا. فالصعوبات الاقتصادية والنجاح في مواجهتها هي الامتحان الحقيقي لقدرة اي منظمومة سياسية على البقاء.
ولا شك ان ذكرى تأسيس المجلس تبقى ذكرى عزيزة علينا وراسخة في الأذهان.ولا شك ايضا ان ابناء دول المجلس يتطلعون دوما للافضل من خلال تعزيز آليات العمل الاقتصادي المشترك، واستكمال متطلبات قيام الاتحاد الجمركي الموحد والسوق الخليجية المشتركة. وجميع هذه القضايا في حال تحققها سوف تنقل مسيرة التعاون إلى مرحلة جديدة تتخطى مرحلة التنسيق إلى ما هو أبعد من ذلك.
ان مشاريع التكامل الاقتصادي لا تزال متواضعة وهناك فرص كبيرة لتنميتها، وكثير من دول العالم حققت صداقاتها وتكاملها من خلال الاقتصاد، وهذا ما نطمح اليه في دول مجلس التعاون الخليجي.فنجاح المجلس ككتلة قوية مرهون بتجاوز التشاور والتنسيق الى التعاون والتكامل الاقتصادي وتفعيل وترتيب البيت الخليجي ليكون اكثر متانة واقوى كتلة اقتصادية.
لقد وضعت كل دول الخليج رؤية وطنية تناسب حجم التحديات المستقبلية، وتناسب أيضا طموح الدول لضمان مستقبل مواطنيها ومستقبل التنمية المستدامة، ولعل التعاون والتنسيق والتكامل الاقتصادي بين الدول الست يكون نقطة الانطلاق الحقيقية نحو الهدف الكبير الذي سيسعد كافة شعوب دول الخليج، فالربط الكهربائي الخليجي ومشروع سكة حديد دول مجلس من المشاريع الهامة ، ومع استمرارا الازمة المالية العالمية التي لا تزال تلقي بظلالها على اقتصاديات دول المجلس، فان الامر يتطلب من الجميع العمل والجهد المضاعف للحد من آثارها على الدول الست وشعوبها لتحقيق التكامل الاقتصادي والربط بين الرؤي والبرامج والخطط الاقتصادية التي اطلقت في الدول الست من أجل غد افضل للجميع..

د. احمد بن سالم باتميرا
[email protected]