مشهد حياتي: يتردد الفرد أي قرار يتطلب منه اتخاذه سواء في اختيار ملابسه ووجبة طعامه وتخصص دراسته، أو اختيار اصدقائه أو تغيير وظيفته أو عندما يتكلم مع شخص ما في حوار وما ان ينتهي هذا الحوار فيدخل في دوامات تفكيرية معقدة بين ما كان يجب قوله وما لا يجب.. تعتبر حالة الفرد نموذجا يعاني منه الكثير من الأشخاص من التردد عند اتخاذ قرار مصيري يمس مستقبلهم مما قد يفوت على الشخص فرصة ثمينة سواء كانت زواجا أو عملا أو صفقة تجارية أو نحو ذلك فماذا يمكن عمله لإبعاد هذا الشبح القاتل للفرص وهل نحتاج كمجتمع للحزم والجدية في أمورنا بعد الاستشارة حتى نقضي على شعور التأجيل والتسويف.
إن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا نتردد كثيراً في اتخاذ القرار الصعب ؟ لماذا نخشى اتخاذ القرار وكم مرة علينا أن نتصف بالشجاعة لنستطيع أن نقرر حقاً ما نريده ولا نتردد فيها مهما كانت الصعوبات والنتائج ؟
ومن هذه المقدمة البسيطة دعونا نتعرف على عملية اتخاذ القرار.
تعد عملية اتخاذ القرار من العمليات الادراكية المهمة في حياتنا وتستدعي من الإنسان في الكثير من الاحيان الى التأني في التفكير والدراسة الموضوعية والحذر قبل الوصول إلى مرحلة اتخاذ القرار.
والقرارات الحياتية كثيرة، واحيانا سريعة وأحيانا لحظية، واحيان اخرى مصيرية قد تسهم في إحداث تحول كبير في حياة الانسان او تغيير جذري في نمطه المعيشي. لذلك تعتبر عملية اتخاذ القرار هي عملية ديناميكية مستمرة بحاجة الى ممارسة عملية في كل لحظة من لحظات حياة الانسان سواء في المنزل المحيط العمل والمحيط الدراسي والاسري
ولكن السؤال المهم هنا لما الحيرة والتردد أو مشاعر الخوف التي تسيطر احيانا على البعض عندما يضطر الى حسم القرار في قضية أو جانب ما ؟ لماذا نخشى اتخاذ القرار؟
في اعتقادي لا يمكن الجزم اذا ما كان سلوك التردد سلبيا او ايجابيا. لأن للتردد معنيين فهناك تردد يكون عبارة عن طبع لدى الإنسان دون وجود مبرر وهذا تردد سلبي حتى في المواقف الحياتية البسيطة، وهناك تردد بمعني التروي والتأني قبل اتخاذ القرار، كأن يتأخر في قراره حتى يجمع معلومات ويأخذ وقته في التفكير ومن ثم يقرر وهذا تردد ان صح لنا تسميته بذلك فهو إيجابي.
ومن زاوية نفسية عندما يصبح سلوك التردد زائداً عن الحد الطبيعي وسمة من سمات شخصية الفرد. ويلاحظ على الفرد ان غالبية استجاباته يعتريها حالة مستمرة من التردد والارتباك كأن يتخذ قرارا بعد دراسة وتأني ويبدأ بالشروع في تنقيذ القرار ثم يتردد لخوفه من أن يخطئ في قراره فيتراجع ويعود إدراجه إلى الخلف مجدداً ثم يعاود المحاولة ثم يتردد ويحجم خوفاً وحذراً دون وجود مبرر منطقي لذلك، هذه الحالة تعيق حياة الفرد وقد تتطور إلى نشوء العديد من صعوبات الانفعالية كإحساس بتدني تقديره لذات وضعف الثقة بالنفس وصعوبة تحقيق الاهداف الحياتية وانجاز المهمات بالشكل المطلوب.
ويرى علماء النفس أن الخطوة الأولى والأساسية للتخلُّص مِن أية مشكلة تكمن في التعرُّف على أسبابها، وإن مِن بين أسباب التردُّد في اتخاذ القرار : عدمَ التدرّب على هذه السمة السلوكية منذ الطفولة بشكل جيد، كما أن المبالَغة في الاهتمام برأي الآخرين، والتوجس مِن انتقاداتهم يمثل سببًا آخر، فيتَّخِذ الإنسان من التردد وعدم الحزْم في اتخاذ قراراته وسيلةً لتجنب سماع انتقادات الأخرين.
ومن غير الوارد ان يعاني الأفراد من التردد في اتخاذ القرار وتسيطر عليهم مشاعر الحيرة الشديدة بالنسبة للقرارات البسيطة والتي لا تحتاج الى تفكير كبير بقدر الحاجة لمهارات اتخاذ القرارات المناسب وفي التوقيت المناسب، مثال: كالتردد يوميا في أي طريق يسلكه حين العودة من العمل إلى البيت او الملبس والحاجات الشرائية والتسوق .. ألخ، ويحدث الاشكال عادة عندما تمتد تأثير هذه العادة عندما تكون القرارات مصيرية كالقرارات المتعلقة بالنواحي مصيرية في حياة الإنسان كالقرارات الدراسية بالجامعة او القرارات الحياتية المصيرية كزواج او العمل.
وفي هذه الإطلالة الأخيرة وحتى نتحسن قي عملية اتخاذنا للقرارات بحيث لا يغلب عليها نوع من التسرع والعجلة لنتعرف على بعض مهارة اليومية التي يمكن أن يمارسها الفرد ليحسن من مهارات اتخاذ القرار لدية ويصل بتوفيق من الله ومشيئته للقرار المناسب الذي يريد:
• حاول أن تعود نفسك على اتخاذ قرارات يومية حتى وأن كانت غير مهمة لكي تساعد على كسر حاجز الخوف التردد.
• استفد من تجاربك وخبراتك السابقة سواء الخاطئة والصائبة ومن ثم تجنب نقاط الضعف وعزز نقاط القوة لديك.
• انظر إلى الموضوع من زوايا مختلفة وتذكر دائماً أن لكل موقف ثلاث وجهات نظر وهي: وجهة نظرك ووجهة نظر شخص آخر ووجهة النظر الصائبة.
• أجمع المعلومات الكاملة والصحيحة عن الموضوع الذي يحتاج إلى اتخاذ قرار فيه، لأن محاولة اتخاذ القرار مع نقص المعلومات أو مع عدم صحتها، سيؤدي إلى اتخاذ قرار خاطئ، وبالتالي ستكون النتائج كارثية.
إذا ما اتخذت قراراً وشرعت في تنفيذه واتضح لك أنه يحتاج إلى تبديل فيجب عليك أن تكون مرناً ومستعداً لإجراء التعديلات اللازمة لأن ذلك يضمن لك قرارات حياتية نجاحة لك.
وأخيرا أود تذكيرك عزيزي القارئ بأن حياة كل منا هي عبارة عن مجموعة من القرارات اتخذناها في فترات متعددة من حياتنا، بعضها تدفعنا إلى الأمام وبعضها تجرنا إلى الخلف، عبارة عن مجموعة من الرغبات والآمال وتطلعات نحو حياة ومستقبل أفضل، وخلال تحقيق تلك الأمنيات لا بأس ان تكون هناك محطات من التأني ونفكر ونتأمل ونستشير، ولكن تذكر بأن الحياة إما أم تكون مغامرة جريئة أو لا شيء على الإطلاق. الأمر الذي يتطلب منك أن تتسم بالشجاعة وتقدم على اتخاذ القرارات مدروسة و جريئة في نفس الوقت، وفى ذات الوقت استعن بالله العليم الواسع وأسأل الله تعالى دوما التوفيق والثبات في كل أمورك.

أ.صبرة بنت محمود الحكمانية
اخصائية إرشاد وتوجية مركز الإرشاد الطلابي جامعة السلطان قابوس