جاءت المقدمات التي خرجت من كيان الاحتلال الإسرائيلي بشأن تعيين المتطرف أفيجدور ليبرمان بمواقفه المعروفة الرافضة إلى أي تسوية، وتصريحاته العنصرية التي فاقت كل تصريحات مسؤولي الكيان الغاصب في عنصريتها، لتؤكد أن المتطرف نتنياهو اختار ردًّا مناسبًا على المساعي الفرنسية المتعثرة في الأساس لعقد مؤتمر دولي للسلام، وتنهي الآمال التي تعقدها فرنسا على زيارة رئيس وزرائها مانويل فالس لكيان الاحتلال الإسرائيلي والأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي زيارة أعلن أن أهم أهدافها هو الدفاع عن المبادرة التي اتخذتها فرنسا لإحياء عملية السلام. وبرغم أن باريس اختارت أحد حلفاء الكيان والأصدقاء المقربين الذين يقدرهم كيان الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن ذلك أصبح غير ذات جدوى في ظل تعيين رجل يسعى للتخلص الدموي من الأسرى الفلسطينيين على رأس وزارة الحرب الإسرائيلية.
إن انضمام ليبرمان إلى حكومة الاحتلال يعني أن هناك ائتلافًا يمينيًّا لم تعرفه المنطقة من قبل، ائتلافًا هو الأكثر تطرفا منذ النكبة يجمع بين طياته كافة قادة الإرهاب، مما يعد تحديًا واضحًا ورفضا صريحا لعملية السلام واستحقاقاتها وجميع المبادرات بما فيها المبادرة الفرنسية، كما يعد استخفافًا بأوروبا وبالإدارة الأميركية، ولعل الاختيار يؤكد أن الحل السياسي مع الفلسطينيين لن يكون من أولويات حكومة الاحتلال، حتى وإن كان لتضييع الوقت، كما كانت تفعل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي كانت تتحدث عن السلام، بل سيكون توجه الاحتلال أكثر شراسة في ضم معظم الأراضي الفلسطينية، وستزيد معدلات السعار الاستيطاني، وهو خيار كان نتنياهو يسعى إليه منذ وصوله الأخير للسلطة، مستغلًّا الوضع الإقليمي الهش، وغياب الفعالية العربية تجاه القضية الفلسطينية، خصوصًا وأن ليبرمان عبَّر عن رؤية سياسية تتجاوز الفلسطينيين وحقوقهم، من خلال الاتفاق مع دول عربية تقيم علاقات من فوق الطاولة ومن تحتها مع كيان الاحتلال الإسرائيلي وترى بأن حل السلام أصبح أزمة يمكن تجاوزها بتحسين العلاقات مع الكيان المحتل، ولعل هذا ما كان يريده نتنياهو، فرجل مثل ليبرمان يوفر لنتنياهو الذريعة بأن لديه شركاء لا يمكن تجاوزهم، مما سيزيد من تعقيد واقع اتخاذ القرارات داخل حكومة الاحتلال.
وحتى لا يخدعنا الهجوم على تلك الخطوة النتنياهوية من الداخل الإسرائيلي، فيجب أن نعلم أن هذا الهجوم له سببان ليس لهما علاقة بتطرف ليبرمان؛ السبب الأول: إن تشكيل الحكومة مع وجود ليبرمان، سينهي توازنًا حرص عليه كيان الاحتلال منذ بدايته، حيث يُصعِّد وجوهًا يحسبها البعض تميل نحو التسوية، وكانت المفاوضات مع هيرتسوغ تسير في هذا الاتجاه، وذلك رغم معرفتنا بأن الأحزاب الإسرائيلية بمختلف توجهاتها ترغب في مواصلة الاستيطان وفرض قوتها. والثاني: عدم وجود خبرة سابقة لليبرمان في الإدارة العسكرية التي يحتاجها المنصب مما يشكل قلقًا داخليًّا.
وبعيدًا عن الهجوم الإسرائيلي فإن القرار يأتي في إطار يؤكد لكل من يمني نفسه بسلام عادل وشامل مع هذا الكيان المغتصب، الذي قام على جثث الضحايا من الفلسطينيين والعرب، وكل من يروج لإمكانية ذلك بأن كيان الاحتلال لا يقوده إلا رؤساء عصابات متطرفة، ولم ولن يكون به شريك حقيقي للسلام الذي يتشدق به البعض، كما أنها رسالة لأصحاب المبادرات الغربية بأن كيان الاحتلال لا يسعى لإحياء عملية السلام، وأن تعيين ليبرمان يؤكد أنه يفضل التطرف، ويكرس الاحتلال ويسمن الاستيطان، ويسعى بكل جهد إلى سرقة الحقوق الفلسطينية. إن قرار نتنياهو لم يشكل مفاجأة أو توجهًا مختلفًا، فمنذ أن جاء بحكومته وهو يرسخ هذا الوضع في الشارع، فمن يتابع بشكل يومي الإجراءات والانتهاكات التي ترتكبها حكومته المتطرفة وأجهزتها المختلفة بحق الشعب الفلسطيني، يعي طابعها العنصري.