أيها القارئ الكريم: إعلم جيداً أنه يحيط بابن آدم أعداء كثيرة، من شياطين الإنس والجن، يُحسّنون له القبيح، ويُقبّحون الحسن، ينضم إليهم النفس الأمارة بالسوء، والشيطان، والهوى، يدعونه إلى الشهوات، ويقودونه إلى مهاوي الردى. ينحدر في موبقات الذنوب صغائرها وكبائرها، ينساق في مغريات الحياة، وداعيات الهوى، يصاحب ذلك ضيق وحرج وشعور بالذنب والخطيئة فيوشك أن تنغلق أمامه أبواب الأمل، ويدخل في دائرة اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله تعالى. ولكن الله العليم الحكيم، الرؤوف الرحيم، الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فتح لعباده أبواب التوبة، ودلهم على الاستغفار وجعل لهم من أعمالهم الصالحة كفارات، وفي ابتلاءاتهم مكفرات. بل إنه سبحانه وتعالى بفضله وكرمه يبدّل سيئاتهم حسنات قال تعالى:(والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً, يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً) (النساء27 ـ 28). لقد جعل الله تعالى في التوبة ملاذاً مكيناً وملجأ حصيناً، يدخله المذنب معترفا بذنبه، مؤملاً في ربه، نادماً على فعله، غير مصرٍ على خطيئته، يحتمي بحمى الإستغفار، يتبع السيئة الحسنة، فيكفر الله عنه سيئاته، ويرفع من درجاته. التوبة الصادقة ـ أخي المسلم أختي المسلمة ـ تمحو الخطيئات مهما عظمت حتى الكفر والشرك قال تعالى:(قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ) (الأنفال ـ 38).وقتلة الأنبياء ممن قالوا إن:(الله ثالث ثلاثة) وقالوا: إن الله هو المسيح بن مريم. تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا . لقد ناداهم الله تعالى بقوله سبحانه وتعالى:(أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(المائدة ـ 74). لقد فتح الله تعالى أبوابه لكل التائبين، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وفي الحديث القدسي:(يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم) ومن ظن أن ذنباً لا يتسع لعفو الله تعالى فقد ظن بربه ظن السوء. كم من عبدٍ كان من إخوان الشياطين, فمنّ الله عليه بتوبة محت عنه ما سلف فصار صواماً قواماً قانتاً لله, ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه. جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي قال:(إذا أذنب عبد فقال: رب إني عملت ذنباً فاغفر لي, فقال الله: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنباً آخر فذكر مثل الأول مرتين أخريين حتى قال في الرابعة: فليعمل ما شاء) يعني: مادام على هذه الحال كلما أذنب ذنباً استغفر منه غير مُصر، وسئل سيدنا علي ـ كرم الله وجهه ورضي الله عنه ـ عن العبد يذنب؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب. قيل حتى متى؟ حتى يكون الشيطان هو المحسور، وقيل للحسن رحمه الله تعالى:(ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذا، فلا تملّوا من الاستغفار) إلى جانب التوبة والاستغفار تأتي الأعمال الصالحة من الفرائض والتطوعات تكفر بها السيئات، وترفع بها الدرجات .. طهارة وصيام وصدقات وحج وجهاد .. وغيرها، (من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله يقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة( والصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر. ومن توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام) ـ أخرج كل ذلك مسلم في صحيحه من أحاديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ وهناك طلب الرزق، وإطعام الطعام، وحسن الخلق، والسماحة في التعامل، وطلب العلم، وقضاء الحوائج، وحضور مجالس الذكر، والرحمة بالبهائم، وإماطة الأذى. فابشروا, وأحسنوا الظن بالله تعالى. إن العبد إذا اتجه إلى ربه بعزم صادق وتوبة نصوح موقنا برحمة ربه واجتهد في الصالحات دخلت الطمأنينة إلى قلبه، وانفتحت أمامه أبواب الأمل، واستعاد الثقة بنفسه، واستقام على الطريقة، واستتر بستر الله تعالى ورحمة الله واسعة, فعلينا أن نلزم باب التوبة في كل وقت وحين, والله تعالى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عمن تاب إليه وأناب . فاللهم اقبل توبتنا, اللهم آمين يارب العالمين.إبراهيم السيد العربيإمام وخطيب جامع الشريشة/ سوق مطرح