[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
” عقب اندلاع ثورة 25يناير , وتزايد الحشود المطالبة بسقوط النظام في ميدان التحرير, خرج حسني مبارك يخطب في المصريين ويطلب منهم الصفح ومهلة 6 شهور للتنازل عن الحكم وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة, وعين عمر سليمان نائبا له, وكان الخطاب عاطفياً ومؤثرا ونجح في كسب تعاطف الكثير من المصريين, وبالفعل قلت أعداد المتظاهرين في ميدان التحرير,”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصطلح "المواطنين الشرفاء" ظهر في مصر أواخر عصر حسني مبارك؛ عندما استعان الحزب الوطني الحاكم بالأجهزة الأمنية للبحث عن طريقة مبتكرة تجهض المظاهرات المعارضة التي كانت تنظمها حركتا "كفاية" و"6 أبريل" دون تدخل مباشر من قوات الشرطة؛ تجنبا للانتقادات الدولية لعنف أجهزة الأمن المصرية في التعامل مع المعارضين, وتفتق ذهن الطرفين عن الاستعانة بالبلطجية والمسجلين خطر وأصحاب السوابق ودسهم وسط المتظاهرين, وما أن تبدأ الهتافات المعارضة, حتى يشرع هؤلاء المندسون في "الشوشرة" والتحرش والاعتداء على المتظاهرين ومحاولة فض تجمعاتهم في حراسة الشرطة حتى تفشل المظاهرة ويسهل على قوات الأمن القبض على المشاركين.
وعقب اندلاع ثورة 25يناير , وتزايد الحشود المطالبة بسقوط النظام في ميدان التحرير, خرج حسني مبارك يخطب في المصريين ويطلب منهم الصفح ومهلة 6 شهور للتنازل عن الحكم وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة, وعين عمر سليمان نائبا له, وكان الخطاب عاطفياً ومؤثرا ونجح في كسب تعاطف الكثير من المصريين, وبالفعل قلت أعداد المتظاهرين في ميدان التحرير, ووجد الحزب الوطني أن الطريق بات مفتوحاً لإخلاء الميدان من المعتصمين, وإجهاض الثورة, فقرر الاستعانة بخلاياه النائمة من البلطجية والمأجورين وبدأ الحشد من منطقة الأهرامات بامتطاء مجموعة منهم ظهور الخيل والجمال رافعين لافتات تدل على تضررهم من الثورة التي أثرت على السياحة مصدر رزقهم الوحيد, واتجهوا إلى ميدان مصطفى محمود "معقل مؤيدي مبارك" ومن هناك تلقوا التعليمات باقتحام ميدان التحرير بالجمال والخيول ومهاجمة خيام المعتصمين ومحاولة إجبارهم على إخلاء الميدان والعودة لمنازلهم.
أطلق الثوار على هذه الأحداث " موقعة الجمل" , وأطلق نظام مبارك على أبطالها لقب "المواطنين الشرفاء" وبعد الثورة تنامى دور المواطنين الشرفاء وتم استخدامهم من قبل الأجهزة الأمنية في عمليات التخريب والسلب والنهب وإشعال الحرائق للإساءة للثورة والثوار وإلصاق تهم التآمر وتخريب البلد بكل من يخرج للتظاهر, وزاد عدد "المواطنين الشرفاء" بسبب اتساع دائرة الفقر وشيوع البطالة وحالة الانفلات الأمني التي سادت مصر بعد الثورة , وانضم أطفال الشوارع "الذين كبروا وأصبحوا رجالا" لصفوف المواطنين الشرفاء.
في أزمة نقابة الصحفيين الأخيرة مع وزارة الداخلية, عقب اتهام النقابة لقوات الشرطة باقتحام مبنى النقابة للقبض على اثنين من الصحفيين لجآ للاعتصام داخل المبنى بعد صدور أمر من النيابة بتوقيفهما, بتهمة التحريض والمشاركة في المظاهرات التي اندلعت في القاهرة يوم 25 إبريل الماضي "يوم الاحتفال بتحرير سيناء" ضد قرار الحكومة المصرية بالتنازل عن جزيرتي "تيران وصنافير", وكتابة عبارات مسيئة للنظام على "الفيس بوك".
استندت النقابة لقانون يعطي نقابة الصحفيين حصانة, ويمنع دخول الشرطة لمبنى النقابة إلا بموافقة النقيب ووجود عضو من النيابة العامة وهي الحصانة التي صمدت ما يقرب من 80عاماً هي عمر نقابة الصحفيين وانتُهكت في الواقعة الأخيرة التي أثارت غضب الصحفيين تجاه الشرطة ووزارة الداخلية, التي تصر على أن موقفها قانوني , وأنها لم تقتحم النقابة ولكنها دخلت بكل هدوء وقبضت على الصحفيين بموجب إذن من النيابة.
تجمع الصحفيون على سلم النقابة للتنديد بما فعلته الداخلية التي حاصرت قواتها النقابة وأغلقت الشوارع المؤدية للمبنى ومنعت دخول غير الصحفيين من النشطاء وأعضاء النقابات المهنية الذين قدموا للتضامن مع الصحفيين في أزمتهم, بينما سمحت للـ "المواطنين الشرفاء " بالدخول حيث يقف الصحفيون, وممارسة الرقص والغناء والتحرش والاعتداء على المتظاهرين حاملين لافتات تلعن إعلام العار وتطالب بمحاكمة الصحافة والصحفيين أعداء الوطن ومانعي الاستقرار.
اجتمع مجلس النقابة تحت ضغط الجمعية العمومية وخرج بقرارات تصعيدية ضد وزارة الداخلية, والتلويح بحجب وتسويد الصحف ومنع نشر صورة الوزير, ولم يكتف المجلس باستعداء الداخلية بل زج باسم رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي في الأزمة, وطالبه بالاعتذار عما اقترفته الداخلية في حق الصحافة والصحفيين.
أخطأت النقابة في حساباتها, ولم تقرأ المشهد جيدا, فخسرت معركة الرأي العام ـ الذي لم تعد الصحافة هي من تشكله أو تؤثر فيه ـ بل المؤثر الأقوى هي مواقع التواصل الاجتماعي التي وقفت مع الداخلية وانقلبت على الصحفيين, وانفض المتعاطفون وكثر الناقدون لموقف النقابة ونجحت أجهزة الأمن في حملتها ضد مجلس النقابة بتصويره على أنهم مجموعة يساريين مخربين مخترقين من جماعتي "6 إبريل والاشتراكيين الثوريين" المحظورتين, وأن المجلس تخلى عن دوره النقابي وتحول إلى حزب سياسي معارض للنظام.
أخطأ مجلس النقابة عندما دخل في صدام مع الرئيس ولم يقصر الأمر على وزارة الداخلية, ولم يقدر مخاطر الصدام مع السيسي الذي ثبت أنه مازال يتمتع بشعبية طاغية بين أوساط الشعب المصري رغم كل هذه الأزمات, ظهر غضب السيسي جلياً من الصحفيين في خطابه الأخير الذي كرر فيه عبارة "أنا مبخفش" أكثر من عشر مرات والتي فسرها البعض بأنها رسالة للصحفيين بأنه لن يعتذر وأنه لا يأبه بقراراتهم التصعيدية, فضلاَ عن اصطحابه وزير الداخلية في مناسبة ليس له علاقة بها وجلوسه في الصفوف الأمامية, ليعلن انحيازه للوزير في معركته مع النقابة.
خسر الصحفيون المعركة لأنهم فشلوا في الاتحاد والتصميم على موقف موحد تجاه الأزمة, فبينما كانت المواقف قوية في البداية سرعان ما بدأت الانشقاقات في الصفوف؛ نتيجة غلبة المصالح الشخصية ونجاح الأجهزة الأمنية في اختراق صفوف الصحفيين منذ أيام مبارك فارتبط بعض الصحفيين بعلاقات بالأمن أقوى من انتمائه للجماعة الصحفية, حتى وصل الحال بأحد الصحفيين المرموقين لاتهام زملائه و مجلس النقابة بالضلوع في الحادث الإرهابي الذي وقع مؤخراً في ضاحية " حلوان" وراح ضحيته ثمانية من رجال الأمن وصحفي آخر عضو نقابة يمتلك برنامجاً تليفزيونياً ليليا ؛ استخدمه في كيل الاتهامات بالخيانة والعمالة وتكدير الأمن والاستقرار لزملائه, محرضاً أجهزة الدولة بالقبض على النقيب وحل المجلس والدعوة لجمعية عمومية لانتخاب مجلس ونقيب جديد تكون له علاقات جيدة مع الأجهزة الأمنية.