من منا لم تمتلئ ذاكرة طفولته بعالم الرسوم المتحركة وأفلام الكرتون، كابتن ماجد، وعلاء الدين والأسد الملك، وغيرها..، ومن منا لم يستمتع يوما بقراءة حكايات كليلة ودمنة وروايات ديزني التي تسافر بك الى عالمها المليء بالمغامرات وشخصيات الكرتون العالمية.الاستمتاع بتلك العوالم أصبح الان معادلة صعبة نوعا ما، مع دخول التكنولوجيا الحديثة بصناعة الترفيه في العالم، حيث شهدت مستويات لم يسبق لها مثيل، الا أن هوليوود تفاجئنا دائما بنجاحها في أي معادلة مهما بلغت صعوبتها، وتكسير الحواجز والقيود التي تحول دون تحقيق أعلى مستويات الترفيه المطلوبة.بالرجوع الى عالم القصص والروايات، بالتحديد تلك التي تسند دور البطولة الى الحيوانات، وتمنحهم صفة انسانية، كحكايات كليلة و دمنة، الهندية الاصل، والتي جاءت معظم شخصياتها عبارة عن مجموعة حيوانات برية، بدأ من الأسد ملك الغابة وصولا الى خادمه الثور، وهدفت الى تعليمنا دروس في الحياة عبر مجموعة من التعاليم الأخلاقية والنصائح والحكم.تلك التيمة من القصص لم تتوقف عند كليلة ودمنة فقط ، ففي العام 1894، نشرالمؤلف البريطاني رديارد كيبلينج مجموعته القصصية الأشهر عالميا، والمسماة بـ "كتاب الأدغال" أو "The Jungle Book"، والتي انجبت العديد من الشخصيات الكرتونية الشهيرة كـ ماوكلي فتى الادغال وطرزان وغيرهما ..شركة والت ديزني للانتاج، قامت بتبني تلك المجموعة القصصية وقدمت نسخة غنائية ناجحة في عام 1967 حققت نجاحا باهرا انذاك، ويعد أشهر كلاسيكيات السينما، واليوم تدخل ديزني عالم تكنولوجيا صناعة الافلام من أوسع أبوابه، وتعيد إحياء مغامرات فتاها ماوكلي، بطريقة واقعية مبهرة ومشهدية فاقت كل الحدود، تمكنت خلالها بفضل التقنية الحديثة من تحطيم كل القيود والخيارات المحدودة التي واجهتها صناعة مثل تلك الافلام سابقا، كاستحالة التصوير بحيوانات حقيقية، فكيف ستوجهه وتكسبه الصفات الانسانية، كالتحدث والضحك على سبيل المثال. فكانت تلجأ الى الرسوم المتحركة التي كانت تسمح بذلك عبر برامج مخصصة، وهو ما شاهدناه كثير في عدة معالجات سابقة سواء لديزني أو غيرها.من أوائل الشرائط التي شاهدنا فيها الحيوانات تتحدث بصورة طبيعية كان فيلم "Babe " وهو لخنزير تائه يبحث عن عائلته ويلتقي بمجموعة من الكلاب والخراف لتدور بينهما حوارات عدة. وحاز على أوسكار أفضل تأثيرات بصرية في عام 1995. أيضا من الافلام التي حطمت كل التباينات بين الخدع البصرية والمشاهد الحقيقية، سلسلة كوكب القرود أو "Planet of the Apes".كتاب الأدغال (The Jungle Book) : فيلم مغامرات وفانتازيا، كتبه جاستن ماركس، بينما انتجته استوديوهات والت ديزني، يندرج ضمن قوائم افلام الرسوم المتحركة، لكن بشكل مبتكر وحديث، على طريقة مخرجه الممثل الفرنسي جوناثن كوليا المعروف بجون فافرو، والذي اعاد الحياة لكتاب الادغال مجددا وتلك القصص التي كانت على وشك أن يمحوها التاريخ من مخيلتنا.فافرو الذي شاهدنا له أعمال سابقة جيدة، نذكر منها الرجل الحديدي أو " The Iron Man" بجزئيه، يخلع بذته الحديدية ويترك عالم الفضاء والحروب، ويسافر بنا الى أدغال الهند، محققا قفزة في عالم الخدع البصرية.تفاصيل صادقة بإمتياز، لدرجة انك لم تكن تميز تلك الحيوانات "أبطال الشريط"، إنها ليست حقيقية "كائنات رقمية مبتكرة بواسطة الـ Motion Picture"، لولا أنها تتخاطب مثل البشر!. وهي المعادلة الصعبة التي تحدثت عنها سالفا.التحدي الأكبر الذي واجهه فافرو، هو كيف يربح شريطه قلوب الكبار قبل الصغار، وهو التحدي الذي كسبه وتمكن من تحقيقه، بفضل معالجته السيناريو ليصبح فيلم مغامرات وأكشن يصلح للكبار، خاصة عندما قررت شركات التوزيع أن تعرضه على شاشات عرض "اي ماكس" الضخمة. بالإضافة الى عرضه في مسارح رباعية الأبعاد الـ "MX4D"، والتي ستكون معها الرحلة أكثر متعة، وهي أحدث تقنية في العرض السينمائي، التي تجعل المشاهد متفاعلا ومتعايشا بصورة أكبر مع أحداث الشريط، لما تقدمه من تأثيرات ملموسة، كحركة المقعد المتزامنة مع الأحداث، بالاضافة الى اندفاع الهواء والدخان والوميض وغيرها.دور فتى الادغال اسند الى الممثل الطفل الأميركي ذو الأصول الهندية، نيل سيثي، التي مكنته لياقته البدنية العالية وشكله المماثل لشخصية ماوكلي كما عرفناها، من معالجة أداؤه التمثيلي الضعيف.ولزيادة متعة الشريط ، قامت ديزني بإسناد أصوات الحيوانات الى نجوم من الصف الاول بهوليوود وهي المرة الاولى في مسيرتها، كالممثل الكوميدي بيل موراي في شخصية الدب "بالو"، الاميركية سكارليت جوهانسن وتؤدي شخصية الافعى الحقودة "كا"، والانجليزي إدريس البا يجسد النمر الشرير "شيرخان"، ومواطنه السير بن كينغسلي ويقوم بدور الفهد الأسود "باجيرا"، كما تقوم بدور الذئبة الأم "راكشا" الممثلة الكينية الحائزة على أوسكار لوبيتا نيونغو، بينما يجسد دور قائد الذئاب "أكيلا" الممثل الدنماركي جيانكارلو ايسبوسيتو، ولاننسى ملك القرود "لوي" والذي يجسده الممثل السينمائي والمسرحي المخضرم كريستوفر واكن.ولمن يسأل عن الاغاني والموسيقى التي امتعتنا في المعالجات السابقة للقصة، كأغنية "أريد أن أكون انسانا"، فهي أدُرجت في الشريط ولكن بشكل أقل، فقد اكتفى فافرو بأغنيتين فقط وذلك لكي يناسب الشريط مشاهديه من البالغين. برغم أن بعضهم لديه نوستالجيا الاغاني الكلاسيكية. الموسيقى عامة جاءت متماشية مع أجواء الرحلة داخل الأدغال....................................أحداثالقصة معروفة للجميع، ومن جديد نحن في عالم ماوكلي، هذا الطفل اليتيم الذي عثر عليه باجيرا الفهد الأسود، معلمه والأب الروحي له، وحيدا في أدغال الهند، حيث يسلمه الى عائلة من الذئاب، تقوم برعايته حتى يصبح يافعا. وذلك بعد موافقة أكيلا قائد قطيع الذئاب.نلتقي براكشا، الذئبة الأم التي تتولى تربية ماوكلي بجانب صغارها من الذئاب، وهي من تعوضه عن حنان أمه الحقيقية التي لم نلتق بها قط. فرواية الكتاب الاصلية التي تابعناها على شاشات التلفاز، تقول أنه خطف وهو صغير، على يد بعض من الضباع عندما كان نائما في فراشه، وقتما ذهب والديه لإحضار بعض الأخشاب القريبة للتدفئة واعداد الطعام، حينها حاول الأب جاهدا إنقاذه لكنه لم يفلح. الا ان باجيرا تمكن من ابقائه على قيد الحياة، بعد انتزاعه من بين أسنان تلك الضباع الجائعة وأبقاه محميا تحت مراقبته ووسط أصدقائه من الذئاب.لكن من يتابع الشريط، يجد أنه يختلف في معالجته لتلك الجزئية، حيث يذكر على لسان الافعى كا، أن شيرخان هو من بدأ الهجوم على والد ماوكلي وأسقطه قتيلا، بعد أن يتمكن الأخير من حرق وجهه بالنار....................................طريق المخاطرالرحلة تبدأ، وننطلق مع ماوكلي الذي يصبح غلاما واعيا، بفضل تلك الدروس الحياتية والتعاليم اليومية التي يتلقاها من معلمه باجيرا، ويمارسها مع عائلته بالتبني من الذئاب، رحلة محفوفة بالمخاطر فحياة الفتى مهددة من قبل النمر شيرخان الحاقد على بني البشر، بعد حادثة حرقه بالنار، والأفعى الداهية كا، التي تغوي كل من يقف في طريقها بكلامها المعسول وعيونها الساحرة وجلدها الناعم الذي يلتف على الضحية فلا يمكن لأحد أن يفلت منها بسهولة، أضف اليهما ملك القرود الجبلية لوي، الذي يود كما يقولون ، أن يدفع نصف عمره لمعرفة سر السلاح الناري، الذي يصنعه بنو البشر والذي يعرف بينهم بـ "الزهرة الحمراء".شيرخان عدو لقطيع الذئاب وبعض الحيوانات التي تتجنب مواجهته، لذا سرت هدنة بين الجانبين تجنبهما القتال، وسيطر كل منهما على مناطق مختلفة في الغابة. الا أن النمر الشرير الذي يحمل ندوب على وجهه بفعل والد ماوكلي، لم يرغب ببقاء الفتى في الغابة وأراد أن يفتك به، لكن الهدنة تمنعه، فيتوعدهم بهجوم مرتقب بذريعة أنهم قد اخلو بشريعة الغابة التي ترى البشر ككائنات خطرة يجب قتلها على الفور.لذا يقرر ماوكلي الرحيل بعد مناوشات دامت أيام لقطيع الذئاب التي تختلف على قرار بقائه بينهم، ويعاونه في رحلته الى قرى بني البشر، باجيرا، الذي يرحب بقراره خوفا على سلامته.في الطريق يلتقي ماوكلي بالعديد من المخلوقات، كالدب الكسول المرح بالو، الذي يتحايل عليه لكي يساعد في الحصول على العسل بدون أن يتعب هو. ينشئ ماوكلي صدقات مع الحيوانات، كما أنه يتعلم قوانين الغابة كإحترام قطيع الفيلة، بداعي أنهم أسياد الادغال وهم من صنعوها وحفروا أنهارها بأنيابهم....................................نهاية الرحلةعلى الجانب الآخر، يبسط شيرخان سيطرته على منطقة نفوذ الذئاب بعد معركة مع أكيلا يحسمها لصالحه وتنتهي بموت الأخير، وذلك رغبة منه في أن يعاود ماوكلي ادراجه لكي يقوم بافتراسه هو الآخر.تنتهي رحلة الفيلم، بعودة ماوكلي لموطنه، وسط أحضان عائلته من الذئاب، حينها يواجه شيرخان في معركة نارية وشرسة، يتمكن فيها من القضاء عليه بعد أن يستدرجه الى منطقة كانت النيران اشتعلت بها، لتلتهم النار شيرخان ويعم السلام على الأرض.كتاب الأدغال .. فانتازيا رائعة، برغم طابعها التقليدي من الناحية الدرامية، تبقى قوة الشريط في تقنيته، وتلك البراعة المفرطة التي صممت بها الكائنات الحية من الحيوانات وغيره، وكأنك تشاهد وثائقيا لناشيونال جيوجرافيك، بالاضافة الى الاستمتاع بجولة داخل الادغال ومشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة.رؤية : طارق علي سرحان [email protected]