إن التنمية بشتى فروعها ومجالاتها ما زالت وستظل الشغل الشاغل، وتتبوأ الصدارة في قائمة خطط الحكومة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ وذلك باعتبارها القاعدة الأساسية التي ترتكز عليها أركان الدولة العصرية، ولم يكن خافيًا يومًا مدى الاهتمام وحجم الجهد المبذول في هذا الاتجاه. كما أن العمل التنموي والتطوعي كان وسيظل مهوى الأفئدة ومحط الأنظار لدى كل مواطن عماني، وستظل الأرض العمانية منبتًا خضرًا يانعًا ومرتعًا خصبًا لكل جهد ينبض بحب عُمان وينهض بالمجتمع وينشد الخير فيه ولمن فيه من أفراد خاصة أولئك الذين جعلتهم أقدارهم في أوضاع هي محل اختبار لهم ولإخوانهم المقتدرين في التخفيف عنهم والوقوف إلى جانبهم، حيث إن هناك كثيرًا من الناس لا تسعفهم أوضاعهم المادية على مجابهة التحديات ومواجهة متطلبات الحياة، ولا تمكنهم من تحمل تكاليف نفقات علاج في حالات المرض والعجز والعوز.
ولقد قدمت الجمعيات الأهلية العمانية ومنها تلك الرائدة في العمل الخيري التطوعي في بلادنا شهادة اعتماد وطنية جنبًا إلى جنب مع الهيئة العمانية للأعمال الخيرية من حيث تلك الأيادي الإنسانية الحانية، والمسحات الإنسانية الرائفة بكل من جعلته أقداره في وضع لا يمكنه بمفرده التغلب عليه، سواء كان هذا الوضع صحيًّا أو معيشيًّا أو اجتماعيًّا، فهذه الوقفات الإنسانية المقدرة، سواء من قبل الجمعيات الأهلية أو المؤسسات الحكومية أو مؤسسات القطاع الخاص أو من قبل الجهود الذاتية للأفراد، تكاملت جنبًا إلى جنب مع الأهداف السامية التي جاءت من أجلها النهضة المباركة التي جعلت التنمية الشاملة وفي مقدمتها تنمية الإنسان ماديًّا وفكريًّا هدفًا تدور حوله كافة برامج التنمية. فلا يزال ماثلًا ومشهودًا له نجاحُ النهضة المباركة في بناء الإنسان تعليمًا وتدريبًا وتأهيلًا، وجعله عنصرًا فاعلًا يسمو بذاته، متطلعًا إلى الاعتماد على قدراته الذاتية لإثبات جدارته في خدمة وطنه، وخدمة أفراده بصفة فردية أو بصفة جماعية كما هو حال الجمعيات الأهلية التطوعية.
وما يحسب للنهضة المباركة أنها لم تجعل التنمية تقف عند حد أو تقتصر على الإنسان، بل امتدت إلى بيئته ومكان إقامته وعمله وحركته ونشاطه، فتفاعل معها تفاعلًا لافتًا تشهد له كل ذرة من ذرات تراب هذا الوطن الغالي. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف الوطنية السامية وغرسها كثقافة في نفس المواطن أخذت الحكومة على عاتقها مبدأ المشاركة الفعلية والتبادلية بينها وبين المواطن وبينها وبين القطاع الخاص، انطلاقًا من نظرتها إلى مبدأ المشاركة على أنه إحدى الركائز الأساسية للتنمية بمفهوميها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ولما كان للعمل التطوعي والأهلي دوره الحيوي وقيمته الإنسانية والثقافية والاجتماعية، فإن الاهتمام بالدفع به قدمًا يسير بثبات في مساره الصحيح، وللاطمئنان على سيره والوقوف على آخر الجهد الحكومي الداعم والموجه والمؤطر لهذا العمل الوطني، استضاف مجلس الشورى أمس في افتتاح جلسته الاعتيادية الرابعة عشرة لدور الانعقاد السنوي الثالث للفترة السابعة للمجلس معالي الشيخ محمد بن سعيد الكلباني وزير التنمية الاجتماعية لمناقشة موضوع الجمعيات الأهلية في السلطنة وإجراءاتها ونظامها المتبع في عملية تشكيلها وإشهارها وانتخابات مجالس إداراتها وشروط العضوية بها، حيث بيَّن معاليه حرص الوزارة على تسخير الموارد المتاحة لتمكين هذه الجمعيات من أداء رسالتها والذي يتضح من خلال التوسع الكمي والكيفي المتمثل في بناء (39) مقرًّا لجمعيات المرأة العمانية وبناء مقر لجمعيات السينمائيين والصحفيين والكتاب والأدباء وبناء مقر لجمعيات الطب العمانية، وغيرها الكثير من مقرات جمعيات المرأة مع تقديم دعم سنوي لهذه الجمعيات ومقداره (مليون و90 ألف ريال عماني)، إلى جانب الدعم الفني في مجال إدارة الجمعيات من خلال عقد حلقات عمل تدريبية وحلقات عمل للعاملين والمتطوعين في الجمعيات.
وعلى الرغم من هذا الجهود الحكومية المقدمة فإن من المؤكد أن الطموح لا يزال كبيرًا، سواء من قبل الحكومة أو من مجلس الشورى أو من أبناء المجتمع المحبين للعمل التنموي والتطوعي، والتطلع إلى إشهار جمعيات المجتمع في حاجة إلى دورها كجمعية متلازمة داون، وجمعية النهضة للمكفوفين، وإشهار جمعية للغابات وغيرها من جمعيات اجتماعية وثقافية ومهنية.