رحلة ملحمية لاكتشاف الطريق البحري المباشر إلى الهند تنتهي بمأساة في جزر الحلانيات عام 1503 م

• 2800 قطعة أثرية سوف تخضع لدراسات أثرية مفصلة وتقييم من قبل مجموعة واسعة من علماء الآثار
• قطع مكتشفة من المدفعية والذخائر تقدم دليلا ملموسا على الهدف العسكري من هذا الأسطول
• الثقة المفرطة للمراسي الحديدية تقتلع "الأخوين سودري" وسفنهما وتحطم هياكلها وصواريها
• الصيادون العمانيون انذروا البرتغاليين باقتراب خطر وشيك والأخوان سودري عاندا "القدر"
• نجاة "براس" و أغلب البحارة ومن كان على ظهر السفينة "ساو بيدرو "
• كل من كان على ظهر السفينة "إزميرالدا" لقوا حتفهم بمن فيهم "فيسينتي"

متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي : الصور من المصدر
"" لم يكن يعلم الملاح البرتغالي فاسكو دي جاما ان قائدي اسطوله (الأخوين سودري) سيقعان ضحية ثقتهما المفرطه بقوة مراسي سفنهما الحديدية حينما اعتقدا انها ستكون أقوى من الرياح .. بل ربما اعتقادا منهما بأن القادم من ذلك الخطر الوشيك لم يكن الا تهويلا من السكان الملحليين في جزر الحلانيات (كوريا موريا سابقا) .. ليجد اسطوله وسفن الأخوين سودري مرمية على الصخور متحطم فيها كل شيء، ليقدم نهاية مأساوية على الرغم من نجاة أغلب البحارة في سفينة وغرق كل من على السفينة الأخرى؛ ليشكل أبريل من عام 1503م حقبة تاريخية صعبة انتهت فيها ملامح لأسطول بحري ضخم غاص في أعماق البحر وبقى تاركا علاماته ورسوماته ليستدل بها الباحثان والمختصون لاكتشاف ذلك الحطام بعد مضي أكثر من 500 عام .. ""

في 15 من مارس 2016 م أعلنت وزارة التراث والثقافة بالتعاون مع مؤسسة بلو ووتر ركفوريز البريطانية تفاصيل نتائج مشروع المسح والتنقيب بجزر الحلانيات والكشف عن حطام سفن الهند الشرقية البرتغالية والتي كانت جزءاً من الأسطول الحربي لفاسكو دي جاما (1502-1503) المتجهة إلى الهند ، حيث تعد هذه السفينة والتي غرقت في مايو 1503 بالقرب من ساحل جزيرة الحلانيات من أوائل سفن عصر الاستكشاف الأوروبي التي يتم العثور عليها وإجراء الدراسات العلمية عليها بواسطة علماء الآثار والمختصين. حيث تكشف التفاصيل عن أن حطام السفينة المكتشفة تعود للسفينة إزميرالدا والتي كانت تحت إمرة القبطان فيسنتي سودري خال فاسكو دي جاما وسليل النبيل فريدريك سادلي من جلوسيسترشاير.
وبدأت بوادر هذا الاكتشاف في عام 1998م بمناسبة الذكرى الـ 500 لرحلة فاسكو دي جاما الملحمية لاكتشاف الطريق البحري المباشر إلى الهند ، ويعتبر العام 2013م هو الانطلاقة الحقيقية لأعمال المسح والتنقيب الأثرية بشكل كامل وبإشراف من وزارة التراث والثقافة. بعدها تم القيام بعمليتي تنقيب إضافيتين في اعوام 2014م و2015م حيث تم اكتشاف ما يقارب من 2800 قطعة أثرية. وساهم في المشروع العديد من الجهات الحكومية والمعاهد وعلماء الآثار الخبراء المستقلين الذين قاموا بتحليل القطع الأثرية بمنتهى الدقة وباستخدام التقنيات المتطورة حيث تشمل الجهات الحكومية المساهمة بالمشروع البحرية السلطانية العمانية وسلاح الجو السلطاني العماني وشرطة عمان السلطانية والتي قامت بعمليات الدعم والإمداد ووزراة البيئة والشؤون المناخية بالإضافة إلى أهالي جزر الحلانيات. كما تشمل المعاهد والمؤسسات جامعة بورنموث و مؤسسة سميثسونيان وصندوق الاستثمار للآثار البحرية (Maritime Archaeology Sea Trust )وجامعة نوفا دي لشبونة وWGM من جامعة وارويك ومختبر أيسوتراس أكسفورد وبنك البرتغال وجمعية لشبونة الجغرافية والمعهد الوطني للطاقة والجيولوجيا في لشبونة ومركز التاريخ الجيولوجي لندن وجامعة درهام وصندوق ماري روز في المملكة المتحدة. وكانت هذه التحاليل بدعم جزئي مقدم إلى مؤسسة بلو ووتر ريكفوريز من مجلس الجمعية الوطنية الجغرافية للبعثات الإستكشافية ( National Geographic) ومؤسسة Waitt.

الخلفية التاريخية.
يمثل عصر الاكتشاف فترة من التاريخ الأوروبي عندما قامت حفنة من القوى البحرية بقيادة الاكتشافات فيما وراء البحار والتي أدت إلى إنشاء المستعمرات وظهور التجارة العالمية. وبينما انشغل الإسبان والفرنسيون والهولنديون والإنجليز بهذا التوسع الاقتصادي والإقليمي كان البرتغاليون من دولتهم الصغيرة المطلة على المحيط الأطلنطي هم أول من غامر بالذهاب ما وراء شواطئهم للقيام باكتشافات مهمة في العالم الجديد. بعد اكتشافهم جزيرة ماديرا في عام 1418م وارخبيل الأزور في عام 1427م قامت السفن البرتغالية بقيادة المستكشفين والبحارة المهرة بالتقدم جنوباً والوصول إلى أماكن بعيدة على طول الساحل الغربي لأفريقيا.
هذه الاستكشافات المنهجية بواسطة البرتغاليين كانت مدفوعة برغبتهم في إخضاع واستغلال أراض جديدة والبحث عن حليف مسيحي ( تعتبر أسطورة الكاهن جون من أهم ما ذكر في هذا الخصوص والذي يمكن أن يقدم المساعدة للبرتغاليين في صراعهم مع المغاربة "Moors" في شمال أفريقيا ). في عام 1488، قام بارثولوميو دياز (Bartholomeu Dias) بالدوران حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي من أفريقيا وبذلك كان أول أوروبي يبحر في مياه المحيط الهندي، وقد كان الهلع الذي أصاب بحارته هو الذي منعه من إكمال رحلته للوصول إلى الهند والتي يعتبرها البرتغاليون أرضا غنية بالبهارات الثمنية والتي كانت هدفهم الأول. وبعد مرور عقد من الزمان تمكن فاسكو دي جاما من إكمال الرحلة والوصول بسفينته إلى الهند عام 1498م ( ذكرت المصادر ان دياز اشرف على بناء السفينة) ولكن كان دياز هو من وضع البرتغاليين على عتبة الوصول لهذه الأرض الجديدة والمثيرة والأراضي الأخرى إلى الشرق منها.
الأسطول البرتغالي الرابع إلى الهند (1502-1503): في عام 1502م وبعد أربع سنوات من اكتشافه الطريق البحري إلى الهند والذي أكسبه لقب دوم وعميد البحر الهندي ، تم تعيين فاسكو دي جاما مرة أخرى ليقود الرحلة إلى الهند بواسطة ملك البرتغال آنذاك دوم مانويل الأول. وذلك بعد فشل الرحلة السابقة لها بقيادة بيدرو كابرال (1500-1501) والتي انتهت بوصول 6 سفن من أصل 13 سفينة إلى ساحل مالبار بالهند (الساحل الجنوبي الغربي للهند). على ما يبدو فإن دي جاما كان البديل لكابرال في هذه الرحلة الرابعة والتي كانت ترتكز على الهيبة والطموح العسكري للملك دوم مانويل الأول. استثمارات الملك البرتغالي في الهند لم تكن قد اصابت اي ربح ولم تكن قد عثرت على أي حلفاء مسيحيين في الهند والذين يمكن التحالف معهم ضد المماليك في مصر والذين كانوا يتحكمون في تجارة التوابل في البحر الأحمر. في الحقيقة فإن العلاقة بين كابرال وحكام كالكتا بالهند بلا ريب لم تكن ودية. واستمراراً لسياسة دي جاما العدائية قام اسطول كابرال بداية بحصار سفينة لمسلمين والتي بدورها قامت بالمشاركة في هجوم انتقامي من قبل التجار المسلمين الغاضبين على المستعمرة البرتغالية الجديدة فيتوريا في كالكتا. وقد قتل بهذه المعركة 54 برتغاليا من ضمنهم المشرف على المستعمرة آيرس كوريرا. كان رد كابرال المزيد من محاصرة السفن وأيضاً قام بضرب كلكتا بالمدافع الثقيلة مما أدى لمقتل 500 شخص .
بإستبدال كابرال ، إختار دوم مانويل اسطولا يحمل النوايا العسكرية ومشكل من عائلة دي جاما فمن العشرين سفينة ،اكبر اسطول تم تشكيله للذهاب الى الهند للآن، خمس سفن كانت تحت قيادة اقارب حاليين أو مستقبليين لدي جاما وهم : أخواله فيسينتي وبراس صودري وابن عمه إيستيفاو دي جاما وصهره الفارو دي اتيداي وصهره المستقبلي لوبو مينديز دي فاسكونسيلوس .أما الشخص الرئيسي الآخر بخلاف دي جاما نفسه كان فيسينتي سودري والذي أعطي تعليمات (regimento) من الملك دوم مانويل إضافة إلى تولي مهام ابن شقيقته دي جاما في حال حدوث أي مكروه له. مبحرا على سفينته إزميرالدا، قاد فيسنتي فرقة مكونة من خمس سفن من ضمنها سفينة اخوه براس سودري (اسم السفينة ساو بيدرو) والذين اشتركوا في الاشتباك مع سفن العدو في معارك ضارية وعنيفة قبالة سواحل الهند.
بعد رجوع فاسكو دي جاما إلى لشبونة مع أغلب الأسطول في بداية عام 1503م ، أعطى التعليمات إلى فيسينتي للقيام بمهام الدورية البحرية جنوب غرب الساحل الهندي. ولكن سودري تجاهل هذه الأوامر وابحر باتجاه خليج عدن حيث قامت فرقته بمحاصرة ونهب السفن العربية . عند قيامه بهذه القرصنة كان سودري مدفوعاً بتحريض أخوه براس والذي قاد هذه الهجمات الوحشية والتي لم تترك أي حياة حيث كانت السفن تحرق بعد سلبها. بحسب بيرو دي اتيداي والذي كان قائد احدى السفن ضمن الفرقة فقد كان الأخوان سودري يحتفظان بنصيب الأسد من الغنائم (الفلفل والسكر والملابس والأرز والقرنفل) مما ادى إلى خلاف مع قادة وبحارة السفن الأخرى.

قصة الغرق في جزر الحلانيات
وفي أبريل من عام 1503 للميلاد، تحرك سودري بسفنه نحو جزر الحلانيات (كوريا موريا سابقاً) على الساحل الجنوبي لسلطنة عمان للاحتماء من الرياح الموسمية الجنوبية الغربية ولإصلاح بدن إحدى السفن. ظلوا على أكبر جزيرة، والوحيدة المأهولة بالسكان (جزيرة الحلانيات)، لأسابيع عديدة في علاقة ودية مع السكان المحليين كان من ضمنها مقايضة الطعام والممتلكات. وفي مايو قام الصيادون المحليون بإنذار البرتغاليين عن اقتراب خطر وشيك عبارة عن رياح شديدة من الشمال قد تحطم سفنهم اذا لم ينتقلوا إلى الجانب المواجه للرياح من الجزيرة. واثقين من قوة المراسي الحديدية لسفنهم قرر الأخوان سودري البقاء في مكانهم امع سفينة بيرو دي اتيداي بينما تحركت السفن الأصغر إلى الجانب الآخر من الجزيرة.
وكما أخبر الصيادون المحليون فقد اشتدت الرياح فجأة وبقوة وترافق معها ارتفاع في موج البحر والذي اقتلع سفن الأخوين سودري من مرساهم ورماهم بقوة على الصخور محطما هياكلها وكاسراً صواريها. و لاحقاً تم وضع رسوم توضيحية في كتاب تأريخي يسمى كتاب القوات المسلحة (Livro das Armadas ) توضح النهاية المأساوية للسفينتين. على الرغم من نجاة أغلب البحارة ومن كان على ظهر السفينة ساو بيدرو ( São Pedro) عن طريق تسلق الحبال وصاريها المكسور فإن كل من كان على ظهر السفينة إزميرالدا (Esmeralda )لقوا حتفهم بمن فيهم فيسينتي سودري . وعلى الرغم من نجاة براس سودري إلا أنه لقى حتفه لاحقاً لسبب غير معروف، ولكن ليس قبل أن يقتل الربانين على السفينتين على الرغم من مهارتهما العالية وذلك في خطوة انتقامية لمقتل أخيه فيسنتي كانت في غير محلها.
بعد دفن موتاهم قام البرتغاليون بأخذ ما تمكنوا من حطام السفينتين قبل حرق ما تبقى منهما والإبحار بالسفن الثلاث المتبقية إلى الهند بقيادة بيرو دي أتيداي (Pêro de Ataíde) لملاقاة فرانسيسكو البوكيرك وتسليمة 17 قطعة من المدفعية تم اخذها من موقع الحطام. لاحقاً تعرض أتيدي للمرض وتوفي في عام 1504م بعد تعرض سفينته للتحطم على سواحل موزمبيق خلال رحلة عودته للبرتغال، وقد تمكن قبل موته من كتابة رسالة شخصية من خمس صفحات إلى الملك دوم مانويل تسرد الأحداث المذكورة سابقاً. وتعتبر هذه الرسالة المحفوظة حالياً في الأرشيف الوطني البرتغالي – تورو دي تمبو (Arquivo Nacional da Torre do Tombo) في لشبونة المخطوطة الوحيدة التي تصف ما حدث لفرقة سوادري بشكل كامل. هذه المخطوطة كانت هي جوهر البحث التاريخي الذي استند عليه المشروع حيث جرت العادة في أغلب مشاريع التنقيب عن السفن الغارقة هو اكتشاف السفينة أولاً ومن ثم البحث في التاريخ عنها ولكن في هذا المشروع فإن الوثيقة التاريخية هي ما استند عليه للبحث عن السفينتين.

جزيرة الحلانيات
تعتبر الحلانية والتي تبلغ مساحتها 55 كم2 اكبر الجزر بالحلانيات ( تعرف سابقاً بجزر (كوريا موريا) والمكونة من خمس جزر تبعد 40 كيلومترا من سواحل محافظة ظفار على بحر العرب وهي ايضاً الوحيدة المأهولة بالسكان (100 – 150 شخصا). يمكن الوصول الى الجزيرة فقط بواسطة القوارب أو طائرة صغيرة وتعتبر بالتالي منطقة صعب الوصول إليها لوجستياً. في عام 2010م تم البدء بإنشاء ميناء بحري وطريق معبد يربط بين شرق وغرب الجزيرة بدعم حكومي وتم الانتهاء من المشروع في عام 2015م. ويعتبر خليج غبة الراهب الذي يقع شمال شرق الجزيرة مرسى طبيعي للسفن حيث تم اكتشاف عدد من المراسي الحجرية كما تمت الإشارة إليه في الخرائط البحرية البريطانية التي تعود للعام 1837م. يمتد الخليج 3.8 كم من راس الحلانية إلى رأس الصير بالشرق ونظراً لموقعه فهو يمثل موقعا طبيعيا للاحتماء من الرياح من الجنوب والشرق والشمال غرب ولكنه مفتوح للرياح الشمالية التي من المحتمل أن تكون هي من أدت إلى غرق السفينتين.
تم إجراء مسح بحري عالي الدقة في منطقة المراسي يشمل 2.5كم2 في بداية المسح عام 2013م لتوثيق التغيرات التي من الممكن ان تدل على وجود مقتنيات أثرية باستخدام السونار (Edgetech 4125; 400/900 kHz) وجهاز قياس المغناطيسية (Geometrics G822) والأيكوساوندر (C-Nav 3050) وجهاز تحديد المواقع (Garmin 240) . من خلال المسح الجيوفيزيائي تم العثور على هدفين تبين فيما بعد بواسطة الغواصين أن أحدهما يعود لسفينة بخارية والثاني يعود لمرساة حديدية كانت مدفونة بالكامل. وتشير هذه الأدلة إلى السفينة مدينة وينشستر (City of Winchester) التي غرقت خلال الاشتباك مع البحرية الإمبراطورية الألمانية.

موقع الحطام
تم تحديد موقع بقايا حطام السفن البرتغالية ( رمز الموقع AH1) في المياة الضحلة لخليج غبة الراهب ضمن سلسلة من الأخاديد الضيقة المتداخلة والتي تتقاطع مع الصخور المرجانية التي تنحدر في اتجاه البحر من الشاطئ . تم تحديد أربعة أخاديد بطول كلي بلغ 115 مترا وعرض يتراوح بين 5 إلى 18 مترا وبأعماق تتراوح من 2 إلى 6 أمتار . تحتوي هذه الأخاديد إلى حد كبير على الرمال والصخور وركام من الصخور وكسر من المرجان وتحت كل هذا حجر الجرانيت على ما يقرب من متر واحد تحت قاع البحر الحالي. وعلى الرغم من البحث المتكرر في الأخاديد المجاورة بواسطة أجهزة الكشف عن المعادن ، لم يتم العثور على أي قطع أثرية خارج حدود الموقع المذكور أعلاه. وبما أنه تم العثور على القطع الأثرية في مجموعة الأخاديد المترابطة المذكورة أعلاه، وليس في أي مكان آخر، فهذا يدل على أن الموقع هو المكان الصحيح حيث توجد على الأقل واحدة من سفن النو البرتغالية التي دفعت باتجاه الشاطئ وتحطمت في هذا الموقع. إن النمط الطبيعي لحركة الأمواج في الخليج هو تكون وارتفاع موج البحر في البحر ومن ثم تحطم وتكسر هذه الأمواج عند الشاطئ. ومن خلال الملاحظات والاكتشافات فإن السيناريو المحتمل لحادثة تحطم السفينين هو أنه بعد انقطاع مراسي السفينتين فقد دفعت السفينتان باتجاه الشاطئ مع احتمالية تموضع إحدى السفينتين في فم أحد الأخاديد بالموقع نظراً لارتفاع الموج وانكساره على الشاطئ وتعرض بدن السفينة للتحطم على صخور هذه الأخاديد على عمق متر الى مترين قبل اندفاعها إلى الشاطئ وعند استقرارها كانت تحت رحمة أمواج البحر و التي في النهاية تحطمت إلى أجزاء مع أمل ضئيل للرجال على متن السفينة بالنجاة.

فريق العمل
لقد استفاد هذا المشروع من المواهب والمهارات والعمل الجاد لفريق كبير متعدد التخصصات من علماء الآثار والغواصين وغيرهم من الخبراء. حتى الآن، تم تنظيم خمس رحلات إلى موقع الحطام و تم إجراء مجموعة متنوعة من التحاليل العلمية بعد الحملة على مجموعة مختارة من القطع الأثرية المستردة. أدناه توضيح لأدوار الأفراد المشاركين وخبراتهم بالإضافة إلى المنظمات التي يتبعون لها.
تعتبر وزارة التراث والثقافة هي الجهة الرسمية المسؤولة عن حماية التراث الثقافي المغمور بالمياة في السلطنة كما تمثل إدارة الوزارة لهذا المشروع أول إدارة عمانية لمثل هذا النوع من المشاريع المرتبطة بالآثار المغمورة تحت المياه. قامت الوزارة بإنشاء برنامج علمي لدراسة الآثار المغمورة بالمياه في السلطنة والذي من ضمن أعماله البحث والتوثيق لمواقع التراث الثقافي المغمور بالمياه في المياة الأقليمية العمانية.
وفي أبريل من العام 2013م تم الإتفاق بين الوزارة وشركة بلوووترز ريكفوريز البريطانية على إدارة وتنفيذ هذا المشروع وكذلك القيام بجميع التحاليل العلمية على الآثار المكتشفه خلال المشروع مع مراعاة القوانين والقواعد الدولية الخاصة بحماية الآثار المغمورة بالمياه ومن أهمها إتفاقية اليونسكو 2001. كما تمثل إدارة الوزارة لهذا المشروع أول إدارة عمانية لمثل هذا النوع من المشاريع المرتبطة بالآثار المغمورة تحت المياه.
وتعتبر شركة بلووتر ريكفوريز شركة متخصصة في الاستشارات والعمليات البحرية للبحث والتنقيب عن السفن الحديثة والتاريخية. في عام 1998م قام فريق استطلاعي من الشركة بتصريح من حكومة السلطنة باكتشاف موقع الحطام في نفس تاريخ الاحتفال بمرور 500 عام على وصول فاسكو دي جاما إلى الهند. استند هذا الاكتشاف على البحث والتحليل في الأرشيف التاريخي عن سفن سودري المفقودة بواسطة فريق البحث بالشركة. قامت الشركة بتنظيم بعثة ثانية في ذلك العام لوضع خارطة لموقع غرق السفينة والغوص التجريبي لمعرفة العمق الذي توجد عنده الآثار المدفونة. وبسبب الصعوبات اللوجستية لم يتم إجراء حفريات أثرية واسعة النطاق بالموقع إلى أن تم الاتفاق مع وزارة التراث والثقافة على توفير الدعم بالإضافة إلى بعض التمويل من مجلس الجمعية الوطنية الجغرافية للبعثات الاستكشافية ( National Geographic) ومؤسسة Waitt. وبصفته مديرا للمشروع قام ديفيد ميرنز بتشكيل وإدارة فريق من المتخصصين في البحث عن الآثار البحرية والغواصين للبحث عن السفينتين خلال الأعوام 2013 و2014 و 2015م.

بعثات البحث
في بعثة 1998م تم تنظيم بعثتين خلال هذا العام كانت الأولى عبارة عملية بحث استمرت لمدة أسبوعين لتحديد الموقع الأولي للحطام. عثر فيها فريق الغوص على 20 قذيفة مدفعية حجرية كانت متوائمة مع حطام السفن الأوروبية المماثلة من بداية القرن السادس عشر. أما البعثة الثانية فقد استغرقت حوالي الشهرين تم فيها إجراء مسح استطلاع أشمل للموقع لوضع خريطة للموقع والقيام بحفريات تجريبية. بالإضافة للقذائف المدفعية تم العثور وانتشال وزن من الرصاص وصحن نحاسي وطلقات من النحاس والرصاص مماثلة لتلك التي يتم العثور عليها في حطام السفن من القرن السادس عشر مثل السفينة ماري روز التي غرقت في عام 1545م.
وفي بعثة 2013م كان الهدف الرئيسي من البعثة ملاحظة التغيرات أو التدخلات في الموقع خلال الأربعة عشر عاماً من آخر وجود للفريق ولحسن الحظ لم تكن هناك أي تدخلات او تغيرات. تم إجراء المسح الجيوفيزيائي عالي الدقة في الموقع كاملاً وإعادة رسم خرائط مواقع القذائف الحجرية. وخوفاً من تعرض الموقع للتدخلات والتخريب فقد تم أخذ قرار بانتشال جميع القطع الأثرية من الموقع لحمايتها والحفاظ عليها. أهم ما تم العثور عليه خلال هذه البعثة هو جرس السفينة الذي تم العثور عليه تحت الصخور على عمق 4 أمتار.
وفي بعثة 2014 م تم تنفيذ البعثة خلال ابريل ومايو من العام 2014م بهدف الكشف عن الآثار في موقع الحطام. من أجل إزالة ما يقدر بـ 950 مترا مكعبا من الرمال والصخور للكشف تماما عن موقع الحطام، تم استخدام نظام الشفط باستخدام الهواء المضغوط من ضاغط الهواء الذي يعمل على محرك الديزل. كما وفرت البحرية السلطانية العمانية للبعثة سفينة الدعم "المناصر" لخدمة هذه العملية الطموحة. خلال 22 يوماً تم الكشف عن الآثار في مساحة تغطي حوالي 40% من الموقع حيث تم العثور على 1911 قطعة أثرية من المنطقة ذاث الكثافة الأكبر لقطع الحطام. وعلى الرغم من تحديد الموقع بشكل صحيح في عام 1998، كانت الدراسة التحليلية للقطع الأثرية الرئيسية التي تم العثور عليها خلال عامي 2013 و 2014 التي وفرت أفضل دليل لتحديد الموقع كموقع تحطم السفن ، والسفينة إزميرالدا بقيادة فيسنتي سودري كمصدر محتمل للقطع الأثرية.
اما بعثة 2015م فكانت بدعم لا محدود من البحرية السطانية العمانية وعلى متن السفينة "المناصر" تم تنفيذ البعثة خلال شهري نوفمبر وديسمبر من العام 2015م. الهدف الرئيسي من البعثة كان التنقيب في باقي موقع الحطام ( حوالي 60% منه) والتأكد من استرداد جميع القطع الأثرية. على الرغم من ضياع الوقت التشغيلي بسبب سوء الأحوال الجوية والتي جعلت تحقيق هذا الهدف مستحيلاً، فإن الحملة لا تزال ناجحة جدا حيث تم العثور على عدد 809 من القطع الأثرية.
وقد ساهم في عمليات البحث عدد من العلماء المستقلين الذين أسهموا بشكل كبير في التعرف على هوية موقع الحطام على أنه يعود للسفينة إزميرالدا عن طريق التحاليل العلمية لتحديد مصدر وعمر بعض القطع الأثرية .

القطع الأثرية
تم العثور إلى الآن على 2800 قطعة أثرية سوف تخضع جميعها لدراسات أثرية مفصلة وتقييم من قبل مجموعة واسعة من علماء الآثار وغيرهم من الخبراء لسنوات قادمة. وعلى الرغم من التركيز الأولي على التحليل العلمي لتحديد عمر وأصل وهوية حطام السفينة فإن في المرحلة القادمة من المشروع سيكون التركيز على معرفة أكبر قدر ممكن حول الكيفية التي أدار بها البرتغاليون التجارة البحرية والحرب في المحيط الهندي خلال هذه الفترة الهامة تاريخياً.
ومن ضمن مجموعة القطع الأثرية المكتشفة والتي ساهمت في الكشف عن هوية السفينة المكتشفة على أنها السفينة إزميرالدا بقيادة فينسينتي سودري “قرص من النحاس عليه شعار النبالة الملكي البرتغالي (esfera armila) الذي كان شعارا شخصيا من الملك دوم مانويل الأول” ، و”جرس برونزي مع نقش يدل على ان تاريخ بناء السفينة كان 1498 م ” ، و”عملات معدنية ذهبية تسمى كروزايدو (cruzado) سكت في لشبونة بين عامي 1495 و 1501م” ، و”عملة فضية نادرة للغاية تسمى إنديو (Indio) والتي سكت بتكليف من دوم مانويل في عام 1499م خصيصاَ على وجه التحديد للتجارة مع الهند. هذه الندرة الشديدة للإنديو (هناك فقط عملة واحدة اخرى مماثلة معروفه في العالم) تأتي من مكانتها الأسطورية بصفتها عملة دوم مانويل “المفقودة” أو “الشبح” .وكان الجزء الأكبر من القطع الأثرية المكتشفة من المدفعية والذخائر من الترسانة التي كانت على متن السفينة ، حيث شملت طلقات من الرصاص والحديد والحجر من مختلف الأحجام، وعدد كبير من قطع المدفع من البرونز وبعض الأسلحة النارية القديمة. وهي إشارة إلى ان المكتشفات تقدم دليلا ملموسا على الهدف العسكري من هذا الأسطول كما أمر به دوم مانويل والذي نفذ من قبل فاسكو دا جاما واثنين من أخواله فيسنتي وبراس سودري. واستناداً إلى الدراسات المستقبلية على القطع الأثرية فإن الأهمية التاريخية والأثرية لموقع الحطام ستكون هائلة باعتبارها واحدة من اوائل سفن الاكتشافات التي تسبق زمنياً أي اكتشاف آخر لغرق السفن الايبيرية بحوالي 30 أو 50 عاماً ، فمن المتوقع أن تكشف القطع الأثرية عن اكتشافات جديدة حول الكيفية التي كانت تدار بها التجارة البحرية والحرب في المحيط الهندي في مطلع هذا القرن.