تونس ـ العمانية:
عرفت تونس الحضارة الرومانية بعد سقوط قرطاج التي خاضت الحروب البونيقية ضد روما سنة 246 قبل الميلاد وبانتهاء الحرب البونيقية الثالثة بهزيمة قرطاج احتل الرومان تونس واقاموا بها وقرر يوليوس قيصر إعادة بناء المدينة ابتداء من سنة 44 قبل الميلاد وإنشاء الرومان مدنا عديدة منها "الجم" و"دقة" وقاموا بتشييد المعابد والمسارح والحمامات والحنايا لجلب المياه وتركوا في تونس إرثا حضاريا لا يزال شاهدا على هذه الحقبة التاريخية ومن ابرز هذه المعالم الاثرية المسارح الرومانيةِ في قرطاج والجم.

ويعتبر مسرح الجم الاثري الروماني من عجائب الاثار في تونس،ويعد اكبر معلم اثري روماني في قارة افريقيا ويقع المسرح في مدينة الجم التونسية الساحلية بناه القائد الروماني جورديان الثاني لينافس مسرح الكولسيوم بروما بعدما قاد تمردا ضد امبرطورها وهو رابع اكبر مسرح روماني في العالم ويستوعب 35 الف متفرج وطول بعديه الخارجيين 148 متراً و122 متراً وطول الحلبة 65 مترا وعرضها 39 مترا، وكانت تقام فيه العروض المتعددة من مصارعة وسباق وفروسية ومقارعة للوحوش، وتم اعتماده من منظمة اليونسكو كموقع اثري عالمي سنة 1979م.

ولعب المسرح دورا مهما في تاريخ تونس اثر الفتوحات الاسلامية، فقد قامت القائدة البربرية الملقبة بالكاهنة بالاحتماء بهذا القصر بعد ان قام حسان بن النعمان في القرن الثامن الميلادي بفتح تونس بعد ان خسر معاركه الاولى امام البربر وفي القرن 17 امر محمد باي الثاني بهدم جانب من المسرح بعد ان قام المتمردون على حكمه بالتحصن به وهدم محمد باي الثاني الجانب الغربي من المسرح.

ومنذ ثمانينيات القرن الماضي اصبح المسرح ركنا لمهرجان الموسيقى السيمفونية وتقام فيه عروض لافضل الفرق الموسيقية العالمية في هذا المجال وتضاء مدارجه بطريقة فنية جذابة تجعل من المكان لوحة تجمع بين سحر الاثر التاريخي وابداع الفن المعاصر. واما المسرح الروماني بقرطاج ويعتبر بدوره اهم المسارح الرومانية في العالم وهو صرح مهيب يمكن ان يستوعب اكثر من 10000 متفرج ويقع في الركن الغربي من مدينة قرطاج تم إنشاؤه في القرن الثاني ومن اهم سماته المعمارية انه يقع في شبه ربوة ويستقل في بنائه عنها.

وتمثل تقنية انشائه ابتكارا معماريا مذهلا بحكم تعقيد الاقبية التي يقوم عليها والتي تحميه من مخاطر الهزات الارضية، وقام الونداليون في القرن الخامس بهدمه وتمت اعادة ترميمه في القرن التاسع عشر وفي ستينيات القرن الماضي تمت اعادة هيكلته بشكل كامل.

ويشتهر المسرح الاثري بقرطاج حديثا بالمهرجان الذي يحمل اسمه وهو مهرجان (قرطاج الدولي) ويعتبرمن اضخم المهرجانات الثقافية بحكم تعدد وقيمة العروض التي يقيمها كل المشاركين والتي يحييها اشهر الفنانين العرب والعالمين صيتا وسمعة. ويعتبر مسرح "دقة" ايضا من المسارح الرومانية التي انشأها الرومان في تونس، ورغم ان المسرح يعتبر من الاثار المغمورة بحكم انه لم يتم ترميمه فانه يمثل نموذجا فريدا للمسارح فقد سلمت مدينة دقة من الاثار المدمرة للزلازل وحافظت ابنيتها الرومانية كالمعابد والمسرح على معالمها رغم مرور الزمن، وتعتبر مدينة دقة مدينة الاثار بلا منازع بفضل تعدد وتنوع المواقع الاثرية التي تمتد على مساحة شاسعة في الشمال الغربي التونسي.وكما ان مسرح "اوتيكا" الذي يقع شمال البلاد يعد نموذجا للمسارح الرومانية التي شيدت بعد سقوط قرطاج، فالرومان قد فضلوا اتخاذ اوتيكا كعاصمة لهم بدل قرطاج.واتخذها الحاكم الروماني عاصمة لحكمه، ولضمان تفوق العاصمة الرومانية الجديدة علي قرطاج اجتهد الرومان في انشاء القصور والمسارح والحمامات في اوتيكا. ويعتبر المسرح الروماني باوتيكا ايضا شاهدا على اهتمام الرومان بهذه المعالم التي كان يرتادها النبلاء والاغنياء للفرجة والترويح عن النفس، وكان هذا المسرح ميدانا للمصارعة والعاب الفروسية ويوجد في مدينة اوتيكا مسرحان احدهما مدرج، ولا تزال مباني الكابيتول والمسارح والسيرك تظهر بابنيتها العملاقة في المدينة الاثرية. وتعتبر مدينة "بلاريجيا" الاثرية التي تقع شمال غرب تونس ايضا من المدن الاثرية الرومانية التي تتواجد بها المسارح الرومانية، فالمدينة سقطت تحت سيطرة الرومان سنة 203 قبل الميلاد واتخذها الملك ماسينيسا النوميدي حليف روما عاصمة له ويمثل مسرحها الاثري القائم في وسط المدينة مثالا اخر للمسارح الاثرية الرومانية في شمال تونس. ونظرًا لما تمثله المسارح الرومانية في تونس من تنوع وكثافة في أغلب المناطق الشمالية في تونس فانها تعتبر من اهم الشواهد التاريخية على ثراء وفخامة الحضارة الرومانية التي استمرت في تونس قرونا عديدة.