أوضحنا في الحلقة السابقة نفقة الزوجة وأدلة وجوبها وبيان وقت وجوبها، وسنبين في هذه الحلقة ـ بمشيئة الله وتوفيقه ـ نفقة المعتدة.
المعتدة إما أن تكون معتدة من طلاق، أو تكون معتدة من وفاة، ولكل واحد منهما حكم في وجوب النفقة لها.
أولاً: نفقة المعتدة من طلاق ، إما أن تكون معتدة من طلاق رجعي أو أن تكون معتدة من طلاق بائن.
1 ـ المعتدة من طلاق رجعي، اتفق الفقهاء على وجوب نفقة المعتدة من طلاق رجعي يقول الله عز وجل:"أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم) (الطلاق ـ 6)، وروي عن ابن عباس : كان (صلى الله عليه وسلم) كثيراً ما يقول:(إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها إذا كان له عليها رجعة فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى) لأنها لا زالت في حكم الزوجية والزوج أملك بها في خلال العدة كما يدل عليه قوله تعالى:(وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا) (البقرة ـ 228)، فإذا طلق الزوج زوجته واحدة أو اثنتين يلزمه نفقتها مازالت في العدة كالزوجة، ويلزمها أن لا تخرج من بيته إلا بإذنه، فإذا خرجت بدون إذنه تعتبر ناشزة ولا نفقة لها لأنها أسقطت نفقتها بنشوزها.
يقول الامام السالمي ـ رحمه الله ـ في جوهر النظام:
وإن يكن واحدة قد طلقا
أو اثنتين فعليه أن ينفقا
ما بقيت في عدة التطليق
والخلف في الكسوة بالتحقيق
2 ـ المعتدة من طلاق بائن، إما أن تكون حاملاً أو غير حامل.
فالمعتدة من طلاق بائن وكانت حاملاً لها النفقة والسكنى بإجماع الفقهاء بدليل قوله عز وجل:(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (الطلاق ـ 6).
فإذا طلق الزوج زوجته طلاقاً بائناً وكانت حاملاً لزمه نفقتها حتى تضع حملها.
وقت قضت المحكمة العليا إن المطلقة الحامل تستحق النفقة سواء كان الطلاق رجعياً أم بائناً لانشغالها بالحمل (قرار رقم 65 في الطعن رقم 48 / 2005).
أما المعتدة من طلاق بائن ولم تكن حاملاً، اختلف الفقهاء في وجوب النفقة لها، وذهب بعض الفقهاء إلى أن لها النفقة والسكنى، واستدلوا بقوله عز وجل:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ) (الطلاق ـ 1)، وبقوله سبحانه:(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ) (الطلاق ـ 6)، ودليلهم في ذلك أن الآية لم تفّرق بين الطلاق الرجعي والبائن وإنما جاءت عامة واستدلوا أيضاً بما روي عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إنه قال : في حديث فاطمه بنت قيس:(لا ندع كتاب ربنا وسنه نبينا لقول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت حفظت أم نسيت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:(للمطلقة الثلاث النفقة والسكنى ما دامت في العدة).

د/محمد بن عبدا لله الهاشمي
قاضي المحكمة العليا ـ
رئيس محكمة الاستئناف بإبراء [email protected]