يُعَدُّ صندوق الأمان الوظيفي أمانًا لِمَن هُمْ تحت رحمة الديون ومصاريف العائلة بعد أن سرَّحتهم جهة العمل الَّتي كانوا يعملون بها، ومن خلالها يعتمدون على الرَّاتب الشَّهري لسدِّ احتياجاتهم واحتياجات عوائلهم، وغيرها من الأمور الحياتيَّة الَّتي تمسُّهم شخصيًّا.
فقَدَ الكثير من المواطنين خلال السَّنوات الماضية وظائفهم؛ بسبب سياسة بعض الشَّركات الخاصَّة، فبعض الشَّركات عزَتْ تسريح الموظَّفين لدَيْها بعدم تجديد عقود المشاريع الحكوميَّة الَّتي تُسند إِلَيْها، فلا لَوْم في ذلك. ولكن أن تأتيَ شركات مستقرَّة ولدَيْها دخولٌ سنويَّة ومشاريع مستمرَّة، ووضعها المالي ممتاز ومستقرٌّ وتُسرِّح موظَّفيها العاملين لدَيْها من المواطنين العُمانيِّين دُونَ سابقِ إنذارٍ، وتُخطر وزارة العمل بذلك دُونَ إشعار موظَّفيها، فهذا الأمْرُ غير مقبول، فهناك إجراءات تمرُّ قَبل التَّسريح وإنهاء الخدمة، مِنْها إشعار الموظَّف لدَيْها أوَّلًا بمدَّة مُعيَّنة حتَّى يتمكَّنَ الموظَّف من إعادة ترتيب أُموره الماليَّة، ويبحث عن عمل آخر لدى جهة أخرى ليتمكَّنَ من الانتقال إِلَيْها بسلاسةٍ دُونَ أن يتأثَّرَ ماديًّا وحتَّى معنويًّا. فالموظَّف أيضًا لدَيْه عائلة يصرف عَلَيْها، ومنزل قد يكُونُ عَلَيْه دَيْن يُدفع بالأقساط للبنك أو شركات التَّمويل، فبعض البنوك وشركات التَّمويل لا ترحم إذا تأخَّرتَ عن السَّداد فيتمُّ إحالتُك إلى الجهات القضائيَّة، وبذلك تصدُر في حقِّك مذكّرة توقيف تودي بِك إلى الحبسِ لمدَّةٍ غير معلومة، أو حتَّى تسدِّدَ ذلك الدَّيْن دُونَ مراعاةِ أسبابِ التَّسريح من العمل، وقد يكُونُ لدَيْك قسطٌ آخر ومصاريف إضافيَّة بَيْنَما يكُونُ جُل اعتمادك على راتبك الَّذي تتقاضاه من العمل.
إنَّ سياسة وزارة العمل في تتبُّع الشَّركات الَّتي تُسرِّح الموظَّفين العاملين لدَيْها غير كافية والإجراءات الَّتي تتَّبعُها ما زالت دُونَ المُستوى المطلوب، في حين يأمل المُسرَّح من عمله بأن تقفَ الوزارة معه من خلال حزمة من الإجراءات الصَّارمة ضدَّ الشَّركات المُسرِّحة وفرض بعض العقوبات من خلال حرمانها من الحصول على خدمات الوزارة المتعارف عَلَيْها كـ(تراخيص العمل، التَّعمين للوظائف العُليا، تجديد تراخيص العمَّال الأجانب، وغيرها...) وبهذه الحزمة من الإجراءات تضطرُّ الشَّركات للتراجع عن تسريح الموظَّفين العُمانيِّين العاملين لدَيْها وتفكِّر مليًّا قَبل القدوم على ذلك.
لذا أطالِب المعنيِّين بالأمْرِ بالوزارة القيام باتِّخاذ خطوات أكثر جدِّيَّة من الآن، ومخاطبة هذه الشركات ومتابعة موضوع وأسباب التَّسريح عن كثبٍ والَّتي باتتْ تؤرق مضجع الموظَّفين العاملين لدَيْها. كما أرجو من مجلس الوزراء الموقَّر توجيه الوزارة بالقيام بإجراءات قانونيَّة وإرسال تقرير شهري ونصف سنوي وسنوي للمجلس عن وضع هذه الشَّركات الَّتي لا تلتزم بالقانون والأنظمه الَّتي تصدر من وزارة العمل فيما يتعلَّق بتسريح العاملين لدَيْها من المواطنين. من جهة أخرى فقد صدَرَ قرار في الفترة الأخيرة بخفض صرف راتب الأمان الوظيفي ممَّا سبَّب قلقًا لدَى الكثير من المُسرَّحِين من أعمالهم فزادهم همًّا، فهو بكُلِّ بساطةٍ يوفِّر حماية ماليَّة واجتماعيَّة للمُسرَّحِين خلال فترات التَّسريح الَّتي لا يَعْلَمها أحَد، ولا ينبغي إطلاقًا تقليل مكافأته.
وإن كانت شمَّاعة الخبرة والمهارة باقية وتقف حجر عثرة أمام الشَّباب فإنَّه لا بُدَّ من تدشين برنامج تدريب وطني عملاق يُعنَى بتطوير مهارات الشَّباب قَبل التحاقِهم بسُوق العمل مع صرف مبلغ شهري لَهُم أثناء التَّدريب؛ لضمانِ الاستمرار في هذا البرنامج حتَّى ينتهيَ، وتشجيعهم وتحفيزهم للعمل.
وفي الختام، كُلُّ الرجاء من الجهات المعنيَّة عدم تقليل هذه المكافأة والَّذي يزيد من معاناة المُسرَّحِين من أعمالهم، ليبقَى صندوق الأمان الوظيفي أمانًا وحلًّا ولو مؤقتًا لأيِّ مُسرَّح، ويجِبُ عَلَيْنا هُنَا أن نفكِّرَ في الحلول المستدامة الَّتي تضْمَن بقاء الموظَّفين في أعمالهم، وعدم تكرار ما يحدُث الآن، ونحن على يقينٍ بأنَّ مجلس الوزراء الموقَّر يعمل في هذا الجانب وسيصدر قراره في ذلك.
حفظ الله جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم الأب الحنون والرَّاعي الأوَّل لأبناء شَعبه الوفيِّ، فهو لا يألو جُهدًا في متابعته المباشرة لقضايا الوطن ومِنْها قضيَّة المُسرَّحِين من أعمالهم، وكيفيَّة إيجاد الحلول بدايةً من إشهار صندوق الأمان الوظيفي إلى عودة المُسرَّحِين من أعمالهم واستقرارهم في وظائفهم، وحفظ الله عُمان وشَعبها ومَنْ يُقيم على أرضها من كُلِّ سُوءٍ ومَكْرُوه.
أفلح بن عبدالله الصقري
كاتب عماني