إذا كان الهدفان الأوَّلان الأساسيَّان لتأسيسِ جامعة الدوَل العربيَّة (بيت العرب) هما: (1) تحرير فلسطين؛ وتحقيق وحدة الأُمَّة العربيَّة، وذلك حسب بروتوكول الإسكندريَّة وما تلاه من مواثيق وقرارات ومؤتمرات قمَّة، يحقُّ للمواطن العربي، من «الخليج الثَّائر» إلى «المحيط الهادر»، أن يتساءلَ عمَّا حقَّقته هذه الجامعة على سبيل بلوغ أهدافها السَّامية الَّتي وضعَ الزعماء العرب إمضاءاتهم على محاضر تأسيسها؟
إنَّه لَمِن بالغِ الأسفِ أن لا تُحرِّكَ هذه الجامعة ساكنًا، بقدر تعلُّق الأمْرِ بالمجازر وحمَّامات الدَّم الَّتي ترتكبها ماكينة الاحتلال الصهيوني في غزَّة والضفَّة الغربيَّة، ناهيك عمَّا يحدُث عَبْرَ الحدود في لبنان وسوريا، قصفًا واحتلالًا بشعَيْنِ! إزاء هذه الخلفيَّة «اللاقوميَّة» المحبِطة، يحقُّ للجمهور العربي أن يتساءلَ: هل غدَتِ جامعة الدوَل العربيَّة هيئةً حيَّة، هيئةً أو كينونة تستحقُّ أن تحقنَ بالأمصال الحافِظة للحياة؟ أم أنَّها (لبالغِ الأسفِ) استحالت كيانًا أثريًّا يستحقُّ أن يوضعَ في سلَّة الآثار القديمة المتبقِّية من بلاد الرافدين ومن آثار النوبة في وادي النِّيل، جزءًا من «محميَّات» منظَّمة اليونسكو الَّتي تعتني بكُلِّ ما هو مندثِر، أو في طريقه إلى الزَّوال، حالها حال «زقورة أور» وبقايا الأهرامات!
ولكن على المرءِ أن لا يطلبَ من جامعة الدوَل العربيَّة أكثر ممَّا هي قادرة على تحقيقه، كي يبقَى إنسانًا واقعيًّا، ملتزمًا بحدود الموضوعيَّة برغمِ إحباطِها الموجع! لذا، وإزاء ما نراه أمامنا من عدم فاعليَّة وسلبيَّة وشَللٍ على جامعة الدوَل العربيَّة وعلى أذرُعِها الدبلوماسيَّة والسياسيَّة المتخصِّصة والمتنوِّعة، ندعو الجامعة إلى تنشيطِ أذرُعِها المتنوِّعة الأخرى، أي تلك المنظَّمات والهيئات المنبثقة مِنْها والَّتي لا تمُتُّ بأدْنَى صِلة بهدفَيْها الأساسيَّيْنِ أعلاه، أي الوحدة العربيَّة وتحرير فلسطين ! لقد تمكنت جامعة الدوَل العربيَّة خلال مَسيرتها الَّتي طالتْ عشرات السِّنين أن تحقِّقَ بعضًا ممَّا يساعد على التَّضامن العربي أو يعاون على تحقيق الاتِّساق والتَّناغم بَيْنَ عددٍ من الأنظمة العربيَّة الحاكمة هُنَا وهُنَاك، وذلك في مجالات عدَّة، مِنْها اقتصاديَّة وإداريَّة وماليَّة وتربويَّة وعسكريَّة وثقافيَّة. بَيْدَ أنَّ الاستفهام الأهمَّ الآن يبقى، هو: هل يُمكِن بثُّ الحياة في أذرع ومنظَّمات جامعة الدوَل العربيَّة، الأمْرُ الَّذي يُعِيدُها إلى الدَّرب الَّذي اختطَّته لهَا الزعامات العربيَّة قَبل عددٍ من العقودِ منذُ تأسيسها؟ وبعكسه، كيف يُمكِن معاينة ما يجري في فلسطين ولبنان وسوريا والسودان إزاء خلفيَّة «جامعيَّة» قوامها الحياديَّة واللا فاعليَّة، ودفع المرتَّبات لموظَّفين لا يفعلون شيئًا سوى استلامها بداية كُلِّ شَهْرٍ!
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي