هل يُقْدم نتنياهو على مغامرة، أو بالأحرى على حماقة جديدة بالعدوان الشَّامل على لبنان؟ أم أنَّ الأمور ستبقى تحت سقفٍ مُحدَّد يتعلق بأعمال عسكريَّة، قد يكُونُ أبرزها استهداف مواقع حيويَّة في لبنان بسلاح الجوِّ...؟
الجواب وفق المعطيات القائمة يَشي بأنَّه حالَ وقَعَ عدوان لن تكُونَ يَدُ المقاومة اللبنانيَّة مشلولةً في لبنان، بل ستطاول الردَّ بالردِّ، والسَّقف الأعلى بالأعلى وفق معادلةٍ باتتْ واضحةً ومعلنة. فتقدير الأمور يُقرّر وفق تقديرات المُطَّلِعين والمُتابِعِين، بأنَّ عدوانًا واسعًا على لبنان قد لا يقع، والأرجح ـ إن وقع ـ ألَّا يؤدِّيَ إلى حربٍ شاملة؛ لأنَّ المقاومة في لبنان و»إسرائيل» أرْسَيا معادلةً في الأوان الأخير، وهي رفع مستوى قواعد الاشتباك يقابله ما يوازيه، بمعنى أنَّ التَّصعيدَ يُقابلُه تصعيد من دُونِ الوصولِ إلى حربٍ شاملة. في حال الحرب الشَّاملة، إن وقعت و»لن تقعَ» على الأرجح، فإنَّ «حسابات البيدر لن تطابقَ حسابات الحقل إسرائيليًّا» بعد إنهاكٍ وخسائر هائلة بالطَّاقة البَشَريَّة والآليَّات وقعت في صفوف جيش الاحتلال بعد أكثر من (200) يوم من الحرب الفاشيَّة المجنونة ضدَّ القِطاع، وضدَّ المَدَنيِّين على وَجْه الخصوص. فجبهة لبنان مع شمال فلسطين المُحتلَّة تختلف كُليًّا عن جبهة قِطاع غزَّة، من ناحية فضائها المفتوح على الأقل، وما تمتلكه قوى المقاومة اللبنانيَّة من عتادٍ وزاد. إنَّ التَّصعيد على الجبهة الشَّماليَّة يأخذ الآن طابعًا إعلاميًّا مع أنَّه يجري على وقعِ النَّار والتَّسخين بحدودٍ معيَّنة. ورغم الخسائر اليوميَّة الَّتي تقع بصفوف ومراكز جيش الاحتلال في الشَّمال، كقاعدة ميرون (قاعدة الجرمق) وهي المركز العمليَّاتي شمال فلسطين، ومطاري البصَّة للحوامات، والقاعدة الجويَّة الضَّخمة (مطار رامات ديفيد)، عدا عن المستعمرات الَّتي يقطنها عشرات الآلاف قَبل انفجارِ الوضعِ العامِّ، حين غادر مُعْظمهم نَحْوَ الدَّاخل بعيدًا عن مستعمرات الشَّمال من (إصبع الجليل) إلى جبال ومرتفعات المحيط بمدينة (عكا) داخل مناطق الــ(48). في السِّياق نَفْسِه، إنَّ قيادات عسكريَّة وأمنيَّة في «إسرائيل» ترى أنَّ إعادة سكَّان الشَّمال (مستعمرات الجليل) إلى مستعمراتهم، لن يتمَّ إلَّا بحربٍ شاملة أو وقفٍ شامل لإطلاق النَّار على جبهة قِطاع غزَّة، لذلك فإنَّ المقاومة في لبنان تُدرك أهميَّة إبقاء الجبهة الشماليَّة مُشتعلةً بحدودٍ معيَّنة تُثير فيها الهلع بَيْنَ المُستعمرين في الجليل للتَّخفيف عن قِطاع غزَّة، ودفع حكومة الاحتلال للقَبول بالوقفِ الشَّامل للحربِ على القِطاع وتطبيق صفقة التَّبادل بعد التَّفاهمات الَّتي تمَّ التوصُّل إِلَيْها بشكلٍ غير مباشر عَبْرَ الدوحة والقاهرة، وهو ما يعمل على تعطيلها نتنياهو شخصيًّا ومجموعة المتطرِّفين المهووسين في حكومته لأسبابٍ تتعلق بخشيته من انهيار حكومته على يَدِ المتطرِّفين والاستدارة نَحْوَ انتخابات جديدة للكنيست. إنَّ التَّقارير «الإسرائيليَّة» الَّتي جرَى تسريبها مؤخرًا عَبْرَ وسائل الإعلام في تل أبيب، تحدَّثت بصراحة عن مخاوف من أيِّ انفجارٍ شامل على جبهة الشمال، بعيدًا عن «بروباجندا» عرض العضلات من قِبل بعض الأمنيِّين والعسكريِّين والمتطرِّفين في «إسرائيل». تلك التَّقارير الَّتي تتخوف في الوقت نَفْسِه من أثر البنية الأساسيَّة الَّتي بناها أعضاء وقوى المقاومة في لبنان قرب الحدود، بالرّغم من الحديث الخافت عن وساطة أميركيَّة لتهدئةِ جبهةِ الشَّمال وإبعاد المقاومة عن الحدود إلى شمال الليطاني، مِثلما حدَث في أعقابِ صدورِ القرار (1701) بعد حرب لبنان الثانية، العام 2006. إذًا، نحن الآن أمام معادلة تنضمُّ للمعادلةِ الغزاويَّة، في تواصلٍ بَيْنَ الشَّمال والجنوب في المعركة الَّتي فتحَها جيش الاحتلال على مصراعَيْها. والأيَّام القادمة حبلى بالتطوُّرات.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك