أنْ تأخذَ الخطوة صفة المحاولة، يظلُّ رجحان الاتِّفاق على إنجازها تحت رحمة تجاذبات المراوحة والانتظار والتَّباين والحسم، وللتَّفصيل في هذا الشَّأن ينبغي التبصُّر عند بيانٍ صدر عن وزراء ماليَّة مجموعة الدوَل العشرين خلال اجتماعاتهم في المدينة البرازيليَّة (ريو دي جانيرو) قَبل عدَّة أيَّام، فقد أشار البيان إلى أنَّ المجموعةَ تسعَى لفرضِ ضرائب على أثرَى أثرياء العالَم.
لا شكَّ أنَّ المقصودَ ليس الأثرياء بالحقوق الطبيعيَّة، وإنَّما الَّذين يُديرون بحرفيَّة استيلائيَّة مراهنة الأرباح على حسابِ حقوقِ أصحابِ الدَّخل المعقول، أو المحدود، والأقسى فعلى حساب الشَّرائح الاجتماعيَّة الفقيرة دُونَ أيِّ اكتراثٍ لآثار نفوذها الغاشم. وإذا كانت مديرة صندوق النَّقد الدّولي كريستالينا جورجييفا قد رحَّبت بالخطوة، وقالت إنَّها تأتي بالوقتِ المناسبِ فإنَّ ما جرَى ليس سوَى محاولةٍ وفق المعلومات المصاحبة للبيان.
• لا شكَّ أنَّ الَّذي حرَّك وزراء مجموعة العشرين للتَّداوُلِ بفرضِ هذه الضرائب جاء من عُمق شعورٍ جارفٍ أخذَ يشغَلُ العالَم ويتردَّد صداه على ألْسِنة خبراء بشأنِ انعدامِ تكافؤ فرصِ حركة الأموال، وأنَّ هناك بيوتًا ماليَّة تجدُ في الجشع حقًّا طبيعيًّا ضِمْنَ سقفِ حُرِّيَّة السُّوق، وأنَّها أيضًا إذا أرادت التدخُّل للمعالجةِ فمن بابِ المِنح والهِبات الترميميَّة فحسب.
• إنَّ انتباهَ وزراء ماليَّة مجموعة العشرين إلى هذا الموضوع لن يعنيَ أنَّهم سيُقيمون الحدَّ على هذه الفئة بما يضْمَنُ تجريدَها من الثراء الفاحش وإنَّما للإصحاح الضريبي، وهذا الأمْرُ يحتاج إلى فحصٍ دقيق، بمعنى عمليَّة جراحيَّة قانونيَّة في ظلِّ شعور أشارت إِلَيْه موجِبات التحرُّك لمواجهةِ فلَتان عدم المساواة.
• بالتَّوصيفِ الدَّقيق للضرائب، أنَّها ليست عقوبة، وإنَّما منهج تقليمٍ للكتلةِ الماليَّة الَّتي تمتلكها شركات وأفراد بما يصُونُ عدالة حركة المال على وفقِ استنتاجاتٍ ترتبطُ بجهدِ الآخرين، وليس فقط أصحابها في تكوين هذه الثَّروات، وإِلَيْكَ بالنّقاط ما يقتضي هذا الموضوع من تعاطي لفرضيَّة الإنصاف أحَد أهمِّ معالِم الشَّرط الإنساني.
• إنَّ فرضَ ضرائبَ على أثرَى الأثرياء في العالَم من شأنِه أن يبطئَ جزئيًّا من اندثارات العدالة، لكنَّه بالمقابل لن يكُونَ حلًّا سهلًا إذا أخذنا بالهجوم المضادِّ الَّذي يُمكِن أن يصدرَ من هؤلاء الأثرياء في الالتفافِ على تغيير الأُصول الماليَّة تحت طائلة التهرُّب الضريبي المعروف بطُرُقه الملتوية العديدة.
• إنَّ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة هي السَّاحة الرئيسة لأثرَى الأثرياء، وهي تشهد توظيفًا سياسيًّا لاستحصالِ الضرائبِ بدليل أنَّ هذا المنهج أحَد أهمِّ الشِّعارات الَّتي يعتمدها المُرشَّح الجمهوري ترامب وتحوَّل إلى تُهَمٍ موَجَّهة له في التَّحايل على التَّحاسب الضَّريبي عندما كان رئيسًا للولايات المُتَّحدة بَيْنَ عامَي 2016-2020، وأنَّه تلاعَبَ في إظهار أُصوله الماليَّة للتَّخفيفِ من الضرائب الَّتي بِذِمَّتِه.
• إنَّ الضرائب أميركيًّا ورقة انتخابيَّة تنشط وتراوح تبعًا للمنظور الانتخابي الرئاسي للاستيلاء على مقاليد البيت الأبيض في ظلِّ محركاتِ أثرَى الأثرياء الأميركيِّين تبرُّعًا لتمويلِ الحملات الانتخابيَّة، وإذا أخذنا بنظر المراجعة إشارةَ بيانِ وزراءِ مجموعةِ العشرين إلى أهميَّة صيانة مفهوم احترام السِّيادة الضريبيَّة لكُلِّ دَولة، تظلُّ خطوة فرض ضرائب من هذا النَّوْع بموجبِ الاجتهاد القانوني الخاصِّ لهذه الدوَل.
• إنَّ واحدة من التحدِّيات الخطيرة الَّتي تُواجِه أصحاب المشاريع الاقتصاديَّة الصَّغيرة والمتوسِّطة هي إخفاقاتها في كيفيَّة شقِّ طريقها وسطَ نُفوذِ أصحابِ الثَّراء الكبير، ووفق دراساتٍ صدرتْ في كندا وجنوب إفريقيا والهند، وفي دوَل أخرى أنَّ إحدى معضلات النُّموِّ لدَيْها يحكمها هذا التحدِّي، (السَّمك الكبير يأكل السَّمك الصَّغير).
• لقد أشارَ وزير ماليَّة البرازيل فرناندو حداد ذو الأُصولِ اللبنانيَّة، (موقف أخلاقي أن ترَى وجود مُشْكلةٍ سائدةٍ تدفع لفرضِ ضرائب تصاعديَّة على الفقراء بَيْنَما يتمتَّع أثرَى الأثرياء بالتَّسامح الضريبي).
• إنَّ الثراء حقٌّ طبيعي، لكنَّه يتحول إلى معضلةٍ صادمة بفحوشيَّته حين يتَّجه إلى معدَّلات تصاعديَّة مقابل تفاقم معدَّلات الفاقة والعوز، والحال لم تجدْ هاتانِ الظَّاهرتان حلًّا جذريًّا توافقيًّا في التَّطبيقات الدّوليَّة التَّنمويَّة وسط تبايُنٍ حادٍّ بَيْنَ دَولة وأخرى.
أجزمُ أنَّ الثَّراء الفاحش أحَد أخطرِ مُسبِّبات الدَّاء الدولي في تصنيع الفقر عالَميًّا الآن.
عادل سعد
كاتب عراقي