الاثنين 09 يونيو 2025 م - 13 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

أوراق الخريف : رصاصة غيرت أميركا

أوراق الخريف : رصاصة غيرت أميركا
الثلاثاء - 30 يوليو 2024 04:57 م

د. أحمد بن سالم باتميرا

20

دخلت الرَّصاصة الَّتي أطلقت على المُرشَّح الجمهوري دونالد ترامب خلال حملته الانتخابيَّة في بنسلفانيا، وأصابته في أذنه، التَّاريخ من أوسع أبوابه؛ لكونها أطاحت بالرئيس الحالي جون بايدن، وقرَّبت نائبته كامالا هاريس لِتكُونَ مُرشَّحة الحزب الديمقراطي، والَّتي ستكُونُ مُرشَّحةً صعبة وقويَّة في حال اعتمدَها الحزب والَّتي تحظى بدعمٍ قويٍّ من شخصيَّات مؤثِّرة في واشنطن.

ولعلَّ عدم حضورها خِطاب رئيس وزراء «إسرائيل» في الكونجرس الأميركي الملقَّب بـ»الكابيتول» أضاف إِلَيْها بعض النّقاط المُهمَّة والدَّاعمة لها، رغم أنَّ ما شاهدته وما استمعت إِلَيْه في الكونجرس كان فضيحة كبرى للسياسة الأميركيَّة وللحزبَيْنِ لتصفيقِهما وترحيبهما بنتنياهو. فمن المُرجَّح أن تكُونَ المواجهة الرئاسيَّة المقبلة في الولايات المُتَّحدة مبارزة قويَّة ومصارعة حُرَّة بَيْنَ الحزبَيْنِ، شبيهة بالتَّصفيق الحار لنتنياهو من أعضاء الحزبَيْنَ الَّذين تسابقوا على قطْعِ كلمته كُلَّ دقيقة بـ(53) تصفيقة من خمسين دقيقة!

تصفيق تاريخي لمُجرِم حرب، فهل تكُونُ هاريس هي المرأة الحديديَّة الثانية بعد «مارجريت تاتشر» رئيسة الوزراء البريطانيَّة السَّابقة، وتفوز في الانتخابات الرئاسة الأميركيَّة في حالِ نالَتْ ترشيح حزبها بشكلٍ رسميٍّ وهو متوقَّع نَوْعًا ما؛ لكونها تملك صفات تجعلها مختلفة عن رئيسها السَّابق بايدن في بعض الملفات السياسيَّة والاقتصاديَّة.

فهناك مستجدَّات ستظهر في قادم الأيَّام من جانب هاريس، ومن جانب الجمهوري ترامب كذلك. فهو ثاني رئيس سابق بعد «ثيودور روزفلت» يسعَى للعودةِ إلى البيت الأبيض، فرصاصة بنسلفانيا التَّاريخيَّة لم تسقِطْه، بل كانت سببًا في زيادة شَعبيَّته وتصدُّره استطلاعات الرأي حتَّى الآن، وسرَّعت في استبعاد وتنحِّي الرئيس الحالي جون بايدن وإدخاله في غرفة الإنعاش السريري، وكأنَّنا في متابعةٍ لفيلمٍ من أفلام هوليوود المثيرة والغريبة والَّتي وحَّدت الحزب الجمهوري تحت راية ترامب من جديد وخلقت الفوضى في الحزب الديمقراطي.

ومن بَيْنِ المفارقات أنَّ الجمهوريِّين يدخلون الجولة النِّهائيَّة مُتَّحِدِين على نَحْوٍ غير متوقع، في حين لا يزال بعض الديمقراطيِّين من اليسار، متردِّدين بشأن هاريس؛ باعتبارها حاملة لواء الحزب في الانتخابات القادمة. وأيضًا من المفارقات أن يكُونَ هناك حشود شعبويَّة تطالِب بمقاطعة الخِطاب وخرجت للشوارع في واشنطن حاملةً لافتات استهجان وصيحات تُطالب (النتن) بالرحيل والمحاكمة ووقف الحرب في غزَّة!

كما أنَّ هناك مفارقات أخرى اتَّضحت بصورةٍ حقيقيَّة هذه المَرَّة، وهي استقبال السَّاسة واستماعهم لخِطاب «استعراضي» في الكونجرس، وهي سقطة جديدة للديمقراطيَّة الأميركيَّة لاستقبالهم هذا الرجُل المُدان عالَميًّا، وتستعدُّ المحكمة الجنائيَّة لإصدار مذكّرة توقيف بحقِّه، وتطارده المظاهرات في كُلِّ مكان، والَّتي تطالِب بمحاسبته أيْنَما حلَّ وارتحل، لِيكُونَ التَّصفيق في الكونجرس والتَّرحيب السياسي به علامة سيسجِّلها التَّاريخ عن أميركا ووجْهِها الحقيقي.

فقد أضرَّت أميركا بالديمقراطيَّة أكثر من الديكتاتوريَّات المعادية لها، بهذا الموقف، وأصبح العالَم يَعدُّها نموذجًا كاذبًا للديمقراطيَّة والإنسانيَّة والحُريَّات. ولا أنسى أيضًا انسحاب الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن من السِّباق الانتخابي، عَبْرَ تغريدة على منصَّة (إكس)، وليس عَبْرَ بيانٍ معتادٍ من البيتِ الأبيض، وهو سقطة أخرى لهذه الديمقراطيَّة، والكوارث الأميركيَّة تتوالى والسَّقطات، وهذا ما أكَّده الرئيس الأسبق باراك أوباما الَّذي قال، بعد إعلان انسحاب بايدن بقليل: «سوف نبحر في المجهول». فرصاصة بنسلفانيا غيَّرت أميركا بالفعل، بانسحاب بايدن، وظهور امرأة تنافِس على مقعد الرئيس في دَولة كبرى، وتثبيت الحزب الجمهوري لترامب، وتصفيق الكونجرس للمُجرِم، وكُلُّ ما حدَث خلال الفترة الماضية، يضع الأقدار تصبُّ في خانة رؤية عالَم جديد، بعد توجيه النَّقد القَوي في أميركا إلى «إسرائيل» ورئيس وزرائها على الصَّعيدَيْنِ، الشَّعبوي والنَّخبوي. فالمواجهة الانتخابيَّة غير هذه المَرَّة، ولا أعتقد أنَّ فرصة نجاح أيِّ المُرشَّحَيْنِ كبيرة، قَبْل المناظرة الثانية. فالرَّصاصة التَّاريخيَّة خلَطت ملفَّات كثيرة، والنّزاعات الدّوليَّة والإقليميَّة ستتصدر المشهد في قادم الأيَّام، خصوصًا وأنَّ العلاقة بَيْنَ وادي السيليكون ودونالد ترامب مشحونة بالتوتُّر أحيانًا؛ لكونه معقلًا للديمقراطيِّين، ولفشَلِ السياسة الخارجيَّة الأميركيَّة في عهد بايدن في الشَّرق الأوسط ستكُونُ لمصلحةِ ترامب، فكُلُّ ذلك يُمَهِّد لرصاصةِ القنَّاص الأميركي أن يعجِّلا في إيجاد توافُق عالَمي؛ كَيْ يعُودَ الأمْن والاستقرار للعالَم أجمع بدلًا من التَّصفيق الحار الَّذي لَقِيَه نتنياهو في «الكابيتول» والكَمِّ الهائل من الأكاذيب الَّتي تحدَّث عَنْها، وكأنَّ الحضور مُغيَّبون عن الحقائق والواقع. فالكونجرس الأميركي الَّذي يُفترض أن يكُونَ رمزًا لأرقى الممارسات الديمقراطيَّة في العالَم، يتحوَّل لمسرحيَّة صهيونيَّة وكذبِ ونفاقِ وتشويهِ للحقائق، في دَولة وجِّهت إِلَيْها السِّهام والانتقادات القويَّة من كُلِّ مكان، لِتصبحَ الولايات المُتَّحدة ليست الطَّرف الأكثر ضمانًا للسَّلام والعدالة بعد أن فقدَتْ مكانها وأصبحت سلطنة عُمان والمملكة العربيَّة السعوديَّة والصين وغيرها الأكثر ثقةً في استضافة الوساطات.

وما لم يقعْ شيءٌ مفاجئ آخر في الأيَّام القادمة، فمن المُرجَّح أن تكُونَ المواجهة الرئاسيَّة المُقبلة في الولايات المُتَّحدة مبارزةً صعبةً بَيْنَ الرئيس السَّابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس كامالا هاريس في الخامس من نوفمبر القادم، فالرصاصة الَّتي غيَّرت أميركا بشكلٍ ملحوظ، هل تكُونُ سببًا أيضًا في تغيير سياسي قادم في العالَم والشَّرق الأوسط؟... والله من وراء القصد.

د. أحمد بن سالم باتميرا