الخميس 05 يونيو 2025 م - 9 ذو الحجة 1446 هـ
أخبار عاجلة

«العشاء الأخير» الذي أفسد افتتاح أولمبياد باريس

«العشاء الأخير» الذي أفسد افتتاح أولمبياد باريس
الاثنين - 29 يوليو 2024 05:00 م

محمد عبد الصادق

50


الغرب يصرُّ على تسويق وشرعنة «المثليَّة»، حتَّى قَبْلَ أن يحسمَ الخلافات الشَّديدة والأصوات المعارضة لها في مُجتمعاته، ولم يكفِه إقحامه لهَا في إنتاجاته الفنيَّة، فلا يخلو فيلم أو مسلسل أو حتَّى برنامج منوَّعات من إنتاج إحدى المنصَّات الغربيَّة، من إقحام مشاهد «المثليَّة» دُونَ مبرِّر درامي أو مسوِّغ فنِّي. ومؤخرًا فوجئنا في حفلِ افتتاح أولمبياد باريس، بمشاهد صادمة، لنساء بشوارب ولحى، ورجال متحوِّلين يؤدُّون حركات خارجة، تخدش الحياء العامَّ، في مناسبة رياضيَّة عالَميَّة عريقة مستمرَّة في عصرها الحديث قرابة مئة وثلاثين عامًا، وتحمل شعار اللَّجنة الأولمبيَّة العالَميَّة الَّتي تتبنَّى مبادئ أخلاقيَّة سامية؛ تدعو إلى الاحترام والإخاء والتَّعاون والمساواة والعدلِ والروح الرياضيَّة السَّويَّة.

هذه المشاهد الشاذة شوَّهت حفل الافتتاح الجميل الَّذي أقِيمَ لأوَّل مرَّة خارج أسوار الملاعب والاستادات، تحت الأمطار على صفحة وضفاف نهر السِّين، استقلَّت وفود (205) دوَل (86) سفينةً وعبَّارة نهريَّة، أبحروا لمسافة (6.5) كيلومتر، وسط تشجيع وهتافات أربعمائة ألفِ متفرِّج امتلأت بهم ساحات أُعدَّت خصيصًا على ضفاف النَّهر، وآلاف الفرنسيِّين والزوَّار الَّذين اعتلَوا شرفات الشّقق والمنازل المُطلَّة على النَّهر، وعشرات اللَّوحات الفنيَّة والاستعراضات الَّتي جسَّدت الثقافة الفرنسيَّة وفنون الموسيقى والأوبرا والباليه والسينما الَّتي اخترعها الفرنسيون، وبحضور مئة من ملوك ورؤساء العالَم اعتلوا المقصورة الرئيسيَّة في ضيافة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. لم يشتكِ الحضور من الأمطار ولا المخاوف الأمنيَّة، ولكنَّ كثيرًا مِنْهم اشتكوا من إقحام مشاهد من الفنِّ الهابط، ويقصدون هُنَا محاكاة لوحة العشاء الأخير الَّتي رسَمَها الفنان ليوناردو دافنشي في القرون الوسطى، والَّتي قدَّمتها بشكلٍ ساخرٍ في حفل الافتتاح فرقة تُسمَّى «الدراج كوين» كافَّة أفرادها من المُتحوِّلين جنسيًّا، سخروا فيها من الرموز المسيحيَّة الموجودة في اللَّوحة، كما تضمَّنت إجبارًا للحرس الفرنسي الجمهوري على الرَّقص، والَّذي عدَّه اليمين الفرنسي المعارض إذلالًا للجمهوريَّة. دخلت الأزمة السياسيَّة الَّتي تعيشها فرنسا على الخطِّ، واستغلَّ اليمين المتطرِّف الفرصة للنَّيْلِ من الرئيس ماكرون الَّذي حرَمَه من تشكيل الحكومة، بعد دعوتِه اليسار ويمين الوسط للتحالف والتَّنسيق في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانيَّة لإسقاط مرشَّحي اليمين المتطرِّف الَّذين اكتسحوا المرحلة الأولى من الانتخابات، فخرج زعيم حزب «الاسترداد» أريك زيمور يعتذر لكُلِّ مسيحيي العالَم عن الإهانة الَّتي وُجِّهَت لَهُم في حفل الافتتاح، كما اعتذر للشَّعب الفرنسي على تقديم مغنِّية من أصل إفريقي للنَّشيد الوطني، والَّذي عدَّه تشويهًا للهُوِيَّة الفرنسيَّة، وترويجًا للمِثليَّة، واتَّهم مخرج الحفل بإسقاط ميوله غير السَّويَّة على حفل الافتتاح. اعتذرمُنظِّمو الحفل للمشاهدين، ودافعوا عن أنْفُسِهم، وقالوا إنَّ رسالتهم من وراء هذه اللَّوحات، كانت بشكلٍ رئيسٍ لرفضِ التَّفرقة والتَّمييز، والتَّأكيد على أنَّ العالَم يتَّسع لكُلِّ شخصٍ ولَوْنٍ وهُوِيَّة، وهو ما اشتهرت به باريس على مرِّ العصور. الغرب يعيش حالة استقطاب سياسي واجتماعي شديدة، بَيْنَ اليمين الشَّعبوي المتطرِّف، واليسار الاجتماعي المُتحرِّر، هذا المشهد تعيشه أميركا بامتياز، بَيْنَ الحزبَيْنِ الديمقراطي والجمهوري، بَيْنَ جو بايدن ونائبته كاميلا هاريس المُرشَّحة للرئاسة المدافعين عن الحُرِّيَّة والليبراليَّة وحقِّ الإجهاض وحقوق المرأة والطِّفل والأقليَّات والمُتسامحين في قضايا الهجرة، وبَيْنَ دونالد ترامب اليميني المتطرِّف الَّذي يُعادي المهاجرين والأجانب، والَّذي يُعارض الإجهاض، وينحاز للأغنياء ويُعارض فرض ضرائب عَلَيْهم. ولكنَّ الواقع يؤكِّد أنَّه لا فرقَ بَيْنَ الحزبَيْنِ، فقادتهم مُتورِّطون في قضايا أخلاقيَّة واتِّهامات تمَسُّ السُّمعة والذِّمَّة الماليَّة، ويتنافسون في الانحياز ودعمِ «إسرائيل»، والتَّعامي عن المجازر الَّتي ترتكبها في حقِّ الفلسطينيِّين.

محمد عبد الصادق

كاتب صحفي مصري