الأحد 08 سبتمبر 2024 م - 4 ربيع الأول 1446 هـ
أخبار عاجلة

أركان الحكمة «1 ـ الإيمان»

الأربعاء - 24 يوليو 2024 06:07 م
10

الحكيم لا بد أن يجمع أركانًا بين ثنايا مثلثه (العلم والخبرة والفطنة)، بدونها أو بدون أحدها لا يعد حكيمًا مهما بلغ شأنه، وأركان الحكمة هي الأساسيات التي لا يمكن أن يغفلها عقل وهي:(أركان الإيمان وأركان الإسلام)، وقد ذكرها الحكيم ـ جلًّ جلاله ـ في معرض ذكره للحكمة، ولما كانت الحكمة تقتضي الصدق، فقد ذكرت تلك الأركان مع الإتقان، وإليكم معالمها:

التوحيد: جاء في الإسراء (لا تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً)، و(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)، (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، فتوحيد الله تعالى هو جوهر الإيمان، جاء في كتاب (التوحيد) لعبدالله الفزاري (349هـ):(الإيمان الذي لا يسع الناس جهله: شهادة ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وما جاء به فهو حق من الموت والبعث والحساب والجنة والنار).

مفهوم التوحيد: التوحيد لغة من مادة (و ح د) التي تدل على الانفراد، وأوضح ذلك الراغب في المفردات بقوله:(إذا وصف الله بالواحد فمعناه هو الذي لا يصح عليه (التَّجَزُّؤ ولا التَكَثُّر)، ولما كان الحكيم صادق التوحيد عرف الخليل الإخلاص بالتوحيد، ودلل عليه باسم سورة الإخلاص إذ فيها لفظة (أحد) وهي لا تصح إلا لله وحده لا شريك، ووافق الراغب في الاصطلاح ما نظنّه فالتوحيد هو:(إفراد لله عز وجل بصفاته ونفي الأشباه عنه) (الشيخ تبغورين الملشوطي).

عليه فمعنى التوحيد لا يعني إفراد الله بالألوهية ثم بالعبادة فحسب، وإنما تعني إفراده بعدم التجزئة والمثلية ولا الندية ولا النظيرية، فهو كما مدح نفسه (ليس كمثله شيء)، وعليه تستحيل رؤيته تعالى مطلقًا، نقلًا وعقلًا، وخلاصة ذلك أن الحكيم هو من ينزه الله سبحان وتعالى تنزيهًا كاملًا لا شائبة فيه، كما جاء في موسوعة (نظرة النعيم):(الأساس الأول للتوحيد هو تنزيه الله عن مشابهته الخلق، وعن أي نقص).

مقتضيات التوحيد: ويقتضي التوحيد ألا يعبد مع الله غيره، قال تعالى:(وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا)، وعليه يكون قلب الحكيم نظيفًا من الشرك وشوائبه ومن الرياء، ولا يستعين بغير الله ولا يتوكل إلا على الله الحكيم العليم، وكذلك يقتضي التوحيد ثلاثة أمور واجبة الإتيان:(الإقرار باللسان والتصديق بالقلب والعمل بالجوارح)، فهذا تمام الإيمان عند من أراد الحكمة، وهذه الأعمال الثلاثة محل اتفاق عند جمهور العلماء الإباضية وأصحاب الحديث والإمام ملك والشافعي والأوزاعي.

اليقين بالآخرة: وكذاك ذكر الحكيم ـ جلَّ جلاله ـ اليقين بالآخرة في تمهيد ذكر تطبيقات الحكمة، فقال:(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (لقمان ـ 4)، فالمتصف بالحكمة يضع نصب عينيه هدفه الأكبر وهو الآخرة وهي همه وغايته، حصنه وحرزه، نشاطه وهمته، فيقيس أعماله عليها، فإن شر أحجم بلا تقدم، وإن خير انبرى بلا تأخر، والسر في ذلك مدى مد بصيرته فيستعرض العواقب فإن اتفق طفق عليها، وإن خالف تخلف عنها بيقينه بالآخرة.

نخلص أنّ التوحيد عمل يقدمه العبد الحكيم بقلبه، وبالجملة يقتضي ذلك العمل القلبي الاقتران بأعمال أخرى ملازمة، وهي العلم الحقيقي بمدلول الشهادتين وما يلزمه من عمل تطبيقي لهما (فاعلم أنه لا إله إلا الله)، واليقين الجازم بصحة علمه وعمله بلا شك ولا تكبر ولا تردد، فلا تراجع بعد بصيرة، وإنما الانقياد التام (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له)، مع الإخلاص والصدق، والمحبة لله ولرسوله وللمؤمنين، والبغض والكفر بما يعبد من دون الله وما ينتهك من حرمات.

سامي السيابي

 كاتب عماني

(فريق ولاية بدبد الخيري)